إنهاء تجميد الحسابات.. آخر حسرات الثورة المصرية
عبد الرحمن محمد-القاهرة
القرار الذي أصدره المجلس الاتحادي السويسري (الحكومة) وأغلق به ملف استعادة الأموال المهربة ولو بشكل مؤقت، جاء طبقا لبيان المجلس نتيجة عدم نجاح البلدين في تحقيق نتائج ملموسة في إثبات عدم شرعية تلك الأصول، و"لم تعد هناك احتمالات واقعية لاسترداد الأصول، في إطار المساعدة القانونية المتبادلة".
وكانت السلطات المصرية قد حاولت التنصل من مسؤولية الوصول إلى هذه الخاتمة للملف، بنفي النيابة العامة في بيان لها أواخر الشهر الماضي صحة الأسباب التي بني عليها قرار السلطات السويسرية في أغسطس/آب الماضي بإنهاء التعاون القضائي مع القاهرة في ما يتعلق بالأموال المهربة في سويسرا.
لكن المجلس السويسري ألمح ضمنا في بيانه إلى عدم جدية النظام المصري في مساعيه لاسترداد تلك الأموال بتنويهه إلى انخفاض حجم الأصول المصرية المجمدة تدريجيا حتى وصولها إلى حوالي 430 مليون فرنك سويسري (نحو 436 مليون دولار أميركي) بعد شطب شخصيات من رموز نظام مبارك على خلفية إبرام تسويات معها.
انتكاسة
ويشكل هذا القرار -وفقا لنشطاء ومراقبين- إحدى أهم محطات "انتكاسة" الثورة المصرية واستمرار مسلسل القضاء عليها، والتراجع عن أبرز مكتسباتها وآثارها، الأمر الذي سيعزز في رأيهم حالة الإحباط واليأس لدى شرائح واسعة من الشعب المصري، ويساعد في شيوع الفساد المالي بشكل أوسع مما كان عليه في عهد النظام السابق.
ويرى الكاتب الاقتصادي ونقيب الصحفيين الأسبق ممدوح الولي أن الفشل في استعادة الأموال المهربة لاحت بوادره منذ استبعاد المجلس العسكري للجنة الشعبية التي تشكلت عقب ثورة يناير 2011 والمكونة من قانونيين وسياسيين متطوعين كانوا يتحملون نفقات تحركاتهم في هذا المسار، وتواصلوا مع بيوت خبرة أجنبية لاستعادة تلك الأموال.
ولفت الولي الذي تولى رئاسة مجلس إدارة صحيفة الأهرام القاهرة في عهد الرئيس المعزول -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن حكومة المجلس العسكري في أبريل/نيسان 2011 استبعدت تلك الرموز الشعبية وكونت لجنة قضائية لتولي المهمة كلجنة حكومية بحتة تحت إشراف وزارة الخارجية، ثم توالى تكوين لجان للغرض نفسه، آخرها اللجنة التي شكلها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي في يونيو/حزيران 2015 ولا تزال تتولى الملف حتى الآن.
ويُرجع الكاتب والمحلل الاقتصادي هذا الفشل إلى ضعف اهتمام الحكومة بالملف الذي كان يتطلب -وفق رأيه- تعاون الجهات الرسمية مع الجهات الشعبية ووجود فريق متفرغ للمهمة، كون الجهات الدولية المعنية بالفساد لا تتعامل مع جهات حكومية. وقال الولي إن استعادة الأموال ما زالت أمرا ممكنا إذا توفرت الإرادة لذلك.
دليل إدانة
ويقرأ الكاتب المتخصص بالشأن الاقتصادي مصطفى عبد السلام النهاية التي وصل إليها ملف استعادة الأموال المهربة كدليل إدانة واضح للحكومة التي فشلت في إدارة الملف، وتباطأت في تقديم أي دليل يثبت عدم أحقية مبارك وأبنائه ورموز نظامه بهذه الأموال المودعة في البنوك السويسرية.
ويرى في حديثه للجزيرة نت أنه لم يكن من الصعب تقديم ما يثبت أن مرتب مبارك كرئيس لم يتجاوز 808 دولارات شهريا -كما تقول الوثائق الرسمية- كما لم يكن من الصعب إرسال نسخة الحكم على مبارك ونجليه في قضية "القصور الرئاسية" والمدانين فيها بالاستيلاء على ملايين الجنيهات من المخصصات المالية للقصور الرئاسية.
ويعتبر عبد السلام ذلك التباطؤ تقصيرا شديدا يصل إلى حد التعمد في إفشال تلك المساعي، في وقت تحتاج فيه الخزانة العامة مثل هذه الأموال لسد العجز وتمويل مشروعات الدولة الخدمية والاستثمارية.
فرصة منعدمة
ويرى الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أنه بات من المستحيل استرجاع الأموال المهربة، ويقول إنه لم يعد أمام الدولة فرصة لفتح هذا الملف مرة أخرى مع سويسرا وإنجلترا، مرجعا هذا الفشل إلى عدم وجود خبرات حقيقية لديها بمجال تتبع الأموال المهربة.
واعتبر عبد المطلب أن الفشل في هذا الملف خسارة كبيرة، إذ حرم مصر من أموال مهمة بالعملة الأجنبية يحتاجها الاقتصاد، كما منعها من تحقيق حالة الردع لأي فاسد.
وعقب ثورة 25 يناير 2011، سلمت القاهرة بيرن ملفات أكثر من عشرين شخصية وعائلة مصرية، لطلب الحجز على أموالها المنقولة وغير المنقولة، ومنها عائلة مبارك وعدد من مسؤولي نظامه، وأعلن رئيس لجنة استرداد الأموال أن ثروة علاء وجمال مبارك في المصارف السويسرية تقدر بـ 340 مليون دولار.