قطر صمدت والخسائر الاقتصادية لدول الحصار كبيرة

جلسة الآثار الاقتصادية للأزمة الخليجية وبعدها القانوني
المشاركون بالندوة طالبوا من هيئات فض المنازعات الدولية بسرعة التحرك لحل الأزمة الخليجية (الجزيرة)

محمد أزوين-الدوحة

"قطر صمدت".. هذا ما أكده اقتصاديون وقانونيون ناقشوا الأبعاد الاقتصادية للأزمة الخليجية على اقتصادات دول الخليج، مؤكدين أن خسائر دول الحصار كبيرة تتفاوت بين دولة وأخرى، وطالبوا من هيئات فض المنازعات الدولية بسرعة التحرك لحل الأزمة.

جاء ذلك في جلسة "الآثار الاقتصادية للأزمة الخليجية وبعدها القانوني" التي عقدت اليوم السبت ضمن أشغال الدورة الرابعة لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية التي خصصت لمناقشة محور "الأزمة الخليجية.. السياقات الإقليمية والدولية ودور الإعلام"، ونظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة على مدى ثلاثة أيام.

وأكد المشاركون أن دولة قطر حافظت على نمو اقتصادها بشكل مطرد بفضل السياسات الحكومية التي اتخذتها للحد من تأثير الأزمة، مستعينة بقدراتها الاقتصادية والإعلامية المتنوعة والمتميزة.

تدخل مناسب
وقال مدير إدارة البحوث والسياسة النقدية بمصرف قطر المركزي الدكتور خالد الخاطر إن عوامل كثيرة حالت دون تأثر الاقتصاد القطري بالأزمة الخليجية، منها حجم الصادرات خصوصا الغاز، وتنويع قطاع الطاقة، ومشاريع البنية التحتية المتطورة، بالإضافة إلى تحفيز الحكومة للصناعات المحلية التي شهدت تطورا لافتا خلال الأشهر الماضية.

وأوضح الخاطر أن أثر الأزمة على قطر من الناحية الاقتصادية محدود، حيث لم يتجاوز قطاع السياحة الذي تقدر خسارته بـ15 مليار ريال، والقطاع المصرفي الذي فقد ودائع مواطني دول الحصار، لكن الحكومة القطرية تدخلت في الوقت المناسب وضخت 39 مليار دولار لتعويض ودائع مواطني دول الحصار.

وأكد أن الإمارات سعت منذ اليوم الأول لخلق أزمة عدم ثقة في الريال القطري، حيث تحايلت على سندات قطر لإضعاف قيمة الريال عالميا، لكن تدخل الآلة الجبارة للإعلام القطري للدفاع عن سمعة اقتصاد قطر كان له الأثر البالغ في إظهار الحقيقة للشركاء الدوليين.

التميمي: خسائر الإمارات من الأزمة الخليجية كبيرة (الجزيرة)
التميمي: خسائر الإمارات من الأزمة الخليجية كبيرة (الجزيرة)

من جانبه تناول الباحث الاقتصادي ناصر التميمي آثار الأزمة الاقتصادية على دول الخليج، وتتبع بالأرقام حجم خسائرها، مؤكدا أن الأزمة الخليجية -في حال استمرارها- ستنعكس في بعض جوانبها سلبيًّا على الوضع الاقتصادي في كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين، وهي التي أعلنت مقاطعة الدوحة وفرضت الحصار عليها.

فبالنسبة للسعودية التي بلغ العجز في ميزانيتها خمسين مليار دولار هذا العام، فقدت السوق القطرية النشطة، مما أجبرها على الاقتراض بشكل كبير، والاتجاه نحو العراق لتعويض خسائرها مع قطر، لكنها لم تنجح في ذلك لوجود رغبة لدى بغداد في منافسة الرياض على أسواق أخرى كالسوق الباكستاني والهندي.

خسائر مهولة
وعلى مستوى دولة الإمارات أوضح التميمي أن خسائرها مهولة، إذ إنها استثمرت في قطر ما بين عامي 2015 و2016 ما لا يقل عن 2.5 مليار دولار، وحجم طلبها على الغاز سيتضاعف ثلاث مرات في السنوات الخمس المقبلة، ولا يُعرف هل ستستمر قطر في تزويدها بالغاز الذي تحصل عليه بسهولة مقارنة مع التكلفة المرتفعة للبدائل.

كما أن فقدان ميناء جبل علي في دبي لمكانته كميناء رئيسي في الخليج، فاقم من أزمة الإمارات الاقتصادية، فواردات قطر عبر هذا الميناء شكلت 3% من حجم نشاطه، ومن الصعب عليه تعويض هذا الرقم، خصوصا أن ميناء حمد الدولي بدأ يعمل بطاقته الكبيرة، إضافة إلى موانئ سلطنة عمان، والميناء الذي تنوي الخرطوم والدوحة بناءه في السودان.

أما البحرين فهي الخاسر والغائب الحاضر في هذه الأزمة، ذلك أن اقتصادها يعتمد بشكل كبير على السعودية التي تتخبط في أزمة اقتصادية خانقة نتيجة الحروب التي تمولها، وزيادة البطالة التي بلغت أعدادها مليون عاطل عن العمل. 

البلوشي: حصار قطر ساعدها على تحقيق اكتفاء ذاتي في كثير من المواد (الجزيرة)
البلوشي: حصار قطر ساعدها على تحقيق اكتفاء ذاتي في كثير من المواد (الجزيرة)

وخلص التميمي إلى أنه يُتوقع أن يضر توقف صادرات دول الحصار إلى قطر بالعديد من المنتجين والمُصدِّرين الذين بلغت صادراتهم إلى قطر عام 2016 نحو خمسة مليارات دولار، حسب بيانات صندوق النقد الدولي.

وأضاف "صحيح أن تلك الصادرات تمثل نسبة ضئيلة من إجمالي صادرات دول الحصار، فإن جُلَّها تقريبا صادرات غير نفطية، ومن الشركات التابعة للقطاع الخاص"، التي قال إنها في أمسّ الحاجة إلى زيادة نشاطاتها، خصوصًا في ظل التباطؤ الاقتصادي الذي تشهده دول المنطقة.

ويرى الخبير الاقتصادي العماني يوسف حمد البلوشي أن أزمة الخليج تضر بالجميع وإن بشكل متفاوت، لكنه أوضح أن حصار قطر ساعدها على تحقيق اكتفاء ذاتي في كثير من المواد، لأن حصار الدول الذكية يزيد من قوتها، فألمانيا بعد حصارها من طرف الحلفاء حققت ثورة صناعية كبيرة، وهذا ما تشير الدلائل إلى أن قطر قد تنجح فيه، خصوصا في مجال صناعة المواد الأولية التي كانت تستوردها من دول الحصار.

وقال إن الأزمة الخليجية فتحت أعين بقية دول الخليج على مخاطر الاعتماد على الغير، فسلطنة عمان تشكل صادراتها للصين نحو 20%، بينما تشكل وارداتها من الإمارات 80%، وهذا ما سيتغير قريبا بعد حصار قطر الذي زعزع ثقة دول المجلس بعضها ببعض.

ودعا البلوشي إلى تكامل العلاقة الاقتصادية بين الشعوب والحكومات حتى تستمر الدورة الاقتصادية بشكل طبيعي، مشيرا إلى أن أزمة الخليج أظهرت الفجوة الكبيرة بين صانع القرار وبين الأفراد والمؤسسات، لذلك تسبب صناع القرار في دول الحصار في هذه الأزمة دون التفكير بالمصالح.

البعد القانوني
وفيما يتعلق بالبعد القانوني للأزمة قال عميد كلية القانون بجامعة قطر الدكتور محمد الخليفي إن أزمة الخليج من الأزمات الكاشفة، فقد عرّت تماما المنظمات العربية والإسلامية وأظهرتها بمظهر العاجز، خصوصا هيئات فض المنازعات التابعة للجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

وأضاف الخليفي أن الأمل يبقى معقودا فقط على المنظمات الدولية المتخصصة في فض المنازعات كالأمم المتحدة والهيئات التابعة لها مثل إيكاو ومنظمة التجارة الدولية، وغيرها من الهيئات المختصة بفض المنازعات.

وقال إن الأمم المتحدة مطالبة باستخدام صلاحياتها، وإذا لم تتدخل فإن المادة 33 تستوجب نقل الأزمة إلى مجلس الأمن لأخذ زمام المبادرة وفرض القانون الدولي.

المصدر : الجزيرة