الصدر والتناقض في قرار حل مليشياته

زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر خلال كلمة له حول القدس
الصدر أعلن الاثنين الماضي سعيه لتحويل "سرايا السلام" إلى منظمة خدمية (الجزيرة)
بغداد-الجزيرة نت
حمل قرار زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر حل مليشيا "سرايا السلام" التابعة له، الكثير من اللغط وردود الفعل المتباينة على المستويين السياسي والشعبي.

وأعلن الصدر الاثنين الماضي -في خطاب متلفز- سعيه لتحويل سرايا السلام إلى منظمة خدمية، كما دعا السرايا للانسحاب من جميع المدن التي شاركوا في استعادتها من تنظيم الدولة خلال 45 يوماً، عدا مدينة سامراء (شمال البلاد)، وتسليم سلاح الدولة إلى الدولة، وفق تعبيره.

ويبدو واضحاً التناقض في التعاطي مع فكرة حل تلك المليشيات ودمجها بالمؤسسة العسكرية الحكومية؛ فالقرار كان مشروطاً، كما أنه يبقي على سلاح تلك الفصائل دون المساس به من قبل الدولة، مما وضع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في موقف حرج، خاصة أنه طالب في أكثر من مناسبة بحل الحشد ودمجه ضمن المؤسسة الأمنية، وهذا ما ترفضه بعض المليشيات، لا سيما تلك الموالية لإيران.

المراقب للشأن العراقي يجد أن الإسلام السياسي في البلاد يرفض فكرة تخلي المليشيات الكامل عن السلاح، وبما أن الصدر جزء من هذا النظام فإن عملية الحل قد تبدو بعيدة المنال في الوقت الراهن.

كما أن القرار الأميركي اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل أعطى الضوء الأخضر لتلك الفصائل للتمسك بسلاحها، والمضي في معركتها العقائدية، سواء ضد تنظيم الدولة أو إسرائيل وهي حرب لن تنتهي إلا بقيام الساعة.

‪جاسم الموسوي برر طروحات الصدر بإضفاء الشرعية الدينية على الحشد‬  (الجزيرة)
‪جاسم الموسوي برر طروحات الصدر بإضفاء الشرعية الدينية على الحشد‬  (الجزيرة)

الشرعية الدينية
المحلل السياسي جاسم الموسوي برر طروحات الصدر برغبته في إضفاء الشرعية الدينية على قوات الحشد الشعبي، وهو اتفاق لا يتعلق بالداخل العراقي، بل جاء بتوافقات دينية وإقليمية، حيث يؤكد أن "قرار حل الحشد الشعبي ليس عراقياً، بل يرتبط بجنوب لبنان وينتهي إلى طهران".

ومن هنا، فإن "السلاح السياسي لا بد أن يستمر، مع استمرار الصراع على السلطة في العراق والمعركة الأكبر التي تقودها إيران من خلال حزب الله اللبناني والدولة العلوية المحتملة في سوريا".

وبشأن خلاف الصدر مع بعض الفصائل المسلحة، يجد الموسوي أن "كل الخلافات تذوب عندما تطفو الحرب العقائدية التي يؤمن بها الشيعة".

الموقف الصدري جاء مدافعاً عن قرار تشكيل لواء "قدسيو الصدر"، واعتبره قراراً منفصلاً وعاماً، لا علاقة له بالشأن العراقي، وبتلك المفارقة يحاول زعيم التيار الصدري أن يبرر للتشكيل المسلح الجديد، بل يسعى إلى دعوة كل ما يعرف بفصائل "المقاومة العراقية والعربية للاجتماع" من أجل تحديد الخطوة المقبلة، وفق بيان سابق.

ويرفض المتحدث باسم سرايا السلام صفاء التميمي مقارنة قضية القدس بالملف السوري الذي سبق للصدر أن أبدى اعتراضه ورفضه مشاركة بعض فصائل الحشد إلى جانب قوات نظام بشار الأسد، مبيناً "أن المسألة تتعلق برمز ديني مهم ليس لدى المسلمين، بل لكل الأديان؛ مما يتطلب تضافر كل جهود المقاومة الرافضة للكيان الصهيوني".

‪الشمري: إما أن تكون الفصائل جزءا من المؤسسة الأمنية أو خارجها‬ (الجزيرة)
‪الشمري: إما أن تكون الفصائل جزءا من المؤسسة الأمنية أو خارجها‬ (الجزيرة)

تناغم منع الحكومة
في المقابل، يجد بعض المقربين من التيار الصدري أن بيان زعيمه الأخير، جاء متناغماً ومؤيداً لرئيس الحكومة الذي أعلن النصر على تنظيم الدولة قبل أيام، على اعتبار أن الخيارات التي طرحها الصدر تعطي العبادي المرونة في التعامل مع فصيل يصل عدد قواته إلى نحو عشرين ألف مقاتل.

وبالنظر لحساسية المشهد العراقي وتعقيده، فإن أي عملية لتصحيح الأخطاء سيقوم بها العبادي ضد بعض الأطراف القوية في البلاد، ستكون نتائجها "كارثية"، مما يتطلب بقاء الصدر قوياً بمقاتليه وسلاحه الذي يحاول الإبقاء عليه بمسميات إعلامية جديدة.

وسبق لأبو دعاء العيساوي المعاون الجهادي للصدر أن أعلن تشكيل لواء باسم "قدسيو الصدر" استجابة للصدر بعد إعلان أميركا القدس عاصمة لإسرائيل.

ويكشف المصدر -الذي رفض الكشف عن اسمه- أن "تحركات الصدر هي جزء من توازن الرعب الشيعي الذي يتملك العبادي من خصومه، وبالتالي فإن وجوده (الصدر) مهماً؛ سواء لرئيس الحكومة أو المرجع الأعلى علي السيستاني، أو حتى الأميركان الذين يجدون صعوبة في التدخل بالشأن العراقي".

وقد يكون الخلاف الشيعي-الشيعي أبرز ما يتخوف منه الشارع العراقي؛ فأغلب الأحزاب السياسية بمسمياتها الإسلامية وغيرها تمتلك أجنحة مسلحة، الأمر الذي ينطوي على مخاطر تصل إلى مرحلة المواجهة إذا رفضت بعض تلك الأطراف تسليم سلاحها، ككتائب حزب الله التي تمتلك سطوة ونفوذا كبيرين في العراق، بل إنها تتحرك بأوامر من جهات غير معروفة لحكومة بغداد أو حتى أميركا.

وأمام هذا التعقيد، تدعي بعض تلك الفصائل أن سلاحها يخضع لمراقبة الدولة، وأنها تعد قوات نظامية تأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة، وأنها سبقت خطوة الصدر بتسليم سلاحها إلى الدولة، بحسب المتحدث باسم حركة عصائب أهل الحق نعيم العبودي.

وتنظر أطراف شيعية إلى الأمر على أنه تحد للحكومة وللقانون الذي يلزم بحصر السلاح بيد الدولة، ويقول القيادي في تيار الحكمة فادي الشمري "ليست هناك مساحة للقرار الوسط، إما أن يقروا بأنهم جزء من المؤسسة الأمنية أو يكونوا خارج إطار القانون، الذي تصر المرجعية على احترامه والالتزام به".

المصدر : الجزيرة