تردي الأوضاع يعمق الأزمات النفسية لآلاف المصريين

الإحصائيات الرسمية تشير إلى ارتفاع عدد المترددين على المصحات النفسية بشكل مضطرد الصورة خاصة للجزيرة نت
بلغ عدد المترددين على المستشفيات النفسية المصرية عام 2016 إلى 516 ألفا (الجزيرة)

عبد الرحمن محمد-القاهرة

كانت أسماء إبراهيم ذات الـ 23 ربيعا في أمسّ الحاجة إلى تلك "الطبطبة" لمواجهة حالة الاضطراب والعجز التي مست حياتها إثر أحداث صادمة مرت بها، وهي لم تكمل بعد عقدها الثاني.

وقبل أن يتملكها اليأس، وجدت أسماء سبيلا إلى تلك "الطبطبة" -وفق تعبيرها- بعد أن أشار عليها أحد الأخصائيين النفسيين بالمشاركة في أحد برامج الدعم النفسي لمعالجة ما تمر به من "اضطراب ما بعد الصدمة".

تحكي أسماء لـ الجزيرة نت كيف أنها ومنذ شهودها فض اعتصام رابعة العدوية وما تلاه من أحداث دموية، تراكمت عليها الأزمات والضغوط النفسية، ولم تجد في محيطها الاجتماعي ما يساعدها على تجاوز ذلك، إلى أن شاركت في برنامج تأهيل للعلاج النفسي.

ولمدة خمسة أيام، شاركت أسماء 15 آخرين -ممن يعانون ذات الحالة- برنامجا علاجيا، خلق لهم مجتمعا صغيرا ساعدهم على تجاوز أزماتهم، وأكسبهم خبرة التعامل مع المواقف الصعبة بشكل إيجابي وصحيح.

ووفق الخبيرة الاجتماعية والنفسية سحر طلعت، فقد تزايدت برامج وحملات الدعم النفسي للمتضررين بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر بشكل ملحوظ خلال الأعوام الأخيرة مع تفاقم الأوضاع النفسية للمصريين، إلا أنها أقل بكثير من الاحتياجات المطلوبة. 

أسماء إبراهيم: البرنامج العلاجي أكسبني خبرة التعامل مع المواقف الصعبة بشكل إيجابي
أسماء إبراهيم: البرنامج العلاجي أكسبني خبرة التعامل مع المواقف الصعبة بشكل إيجابي

تخوف مبرر
وأبدى الكثير من الناشطين والعاملين في هذا المجال تخوفهم من الكشف عن تفاصيل تلك البرامج والنشاطات وأماكن عقدها وأسماء المؤسسات المنظمة لها، وهو ما بررته سحر طلعت في حديثها للجزيرة نت بالتخوف من استهداف النظام لتلك الجهود وإيقافها والإضرار بالداعمين لها.

وأشارت الخبيرة الاجتماعية إلى أن الضغوط الناتجة عن الأوضاع الحالية بمصر باتت أشد وأقسى من أي وقت سابق، وضاعفت نسب التوتر والقلق والاكتئاب لدى المصريين، لافتة إلى أن المؤسسات والنشطاء القائمين على برامج الدعم النفسي المنتشرة مؤخرا يستخدمون أشكالا علاجية مختلفة، منها الفردي والجماعي.

وكانت آخر تقديرات رسمية للمرضى النفسيين قدرت عددهم في أكتوبر/تشرين الأول 2015 ما بين 14 و16 مليون مريض، منهم 15% فقط يراجعون العيادات النفسية، وفق ما قال هشام رامي الرئيس السابق للأمانة العامة للصحة النفسية بوزارة الصحة.

غير أن إحصائيات أمانة الصحة النفسية الصادرة في مارس/آذار الماضي أوضحت الزيادة التي طرأت على عدد المترددين على المستشفيات التابعة لها، حيث وصل عددهم عام 2016 إلى 516 ألف مريض، وفي عام 2015 بلغ عددهم 472 ألفًا، في حين لم يتجاوزوا 444 ألفا العام الذي سبقه.

سحر طلعت: الضغوط الناتجة عن الأوضاع الحالية في مصر أشد وأقسى من أي وقت سابق
سحر طلعت: الضغوط الناتجة عن الأوضاع الحالية في مصر أشد وأقسى من أي وقت سابق

استعادة المشاعر
المشاركة في أحد هذه البرامج العلاجية، أعاد لرحمة سيف مشاعر المواساة والإحساس بالآخر، بعد أن فقدتها نتيجة الاضطراب الذي لحق بها على ما مرت به من أحداث سياسية واقتصادية خلال الأعوام الأخيرة.

رحمة أوضحت للجزيرة نت أن أخصائية نفسية -كانت تتردد عليها لعلاج هذا الاضطراب- نصحتها بالمشاركة في هذا البرنامج، بهدف التعرف على أسلوب فعال للتعامل مع النفس بعد الصدمات، لافتة إلى أن التجربة أكسبتها تقبلا أكبر للعلاج والحياة معا مهما كانت المصاعب والصدمات.

الطبيب النفسي والمستشار الاجتماعي عمرو أبو خليل، شدد على أن تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية له تأثير كبير على الأحوال النفسية للمصريين، مبديا تخوفه من تدهور تلك الأحوال خلال الأعوام المقبلة نتيجة استمرار تدهور الأوضاع.

وقارن -في حديثه للجزيرة نت- بين ما لمسه من الأوضاع النفسية للمصريين بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 وارتفاع نسبة الأمل والتفاؤل حتى لدى مرضى الاكتئاب الأمر الذي ساعد في علاجهم، وما لمسه بعد تدهور الأوضاع الذي أدى لارتفاع نسب القلق والاكتئاب عند شريحة كبيرة.

المصدر : الجزيرة