من الترقيع إلى التقسيط.. هكذا يكافح موظفو مصر الحفاء

ينظر الموظفون بأسى للأحذية المعروضة التي تعادل أسعار زوج الواحدة منها ثلث مرتبات كثير منهم. (تصوير خاص داخل قسم أحذية بأحد المتاجر
ينظر الموظفون بأسى إلى أسعار الأحذية التي أصبحت تعادل ثلث راتب كثير منهم (الجزيرة نت)

عبد الله حامد ـ القاهرة

ذهابا في الصباح الباكر، وإيابا بعد منتصف النهار، يضرب فوق أرض مصر ما يقارب 12 مليون زوج من الأحذية، ينتعلها 5.7 ملايين موظف.

كثير من تلك الأحذية بال، بفعل تلك الرحلة اليومية المرهقة، مشيا على الأرض وجريا وراء وسائل المواصلات، ونزولا على سلالم محطات مترو الأنفاق وصعودا عليها، وهي الرحلة التي تلتهم نهار كثير من الموظفين الذين يضطرون لأعمال إضافية لتلبية احتياجات أسرهم.

ورغم هذه الطاحونة اليومية، باتت دخول الموظفين عاجزة عن الوفاء بالاحتياجات الأساسية للموظف وأسرته، ومنها شراء أحذية جديدة، مع الارتفاع المستمر للأسعار.

وما أشبه الليلة بالبارحة، حينما بلغ الحال ببعض موظفي مصر -تحت وطأة الاحتلال والفقر والقهر في أربعينيات القرن الماضي- صبغ أقدامهم بالسواد لكي يظهروا وكأنهم يلبسون أحذية لم تكن رواتبهم تكفي لشرائها، فدشنت حكومة حزب الوفد وقتها مشروع محاربة الحفاء بين الموظفين، ببيع الأحذية بالتقسيط.

بيع الأحذية تباطأ بعد ارتفاع أسعارها
بيع الأحذية تباطأ بعد ارتفاع أسعارها

عجز الموظف
وكأن التاريخ يعيد نفسه، لدرجة إعلان منظمة كبيرة، هي غرفة صناعة الجلود، إطلاق مبادرة لبيع الأحذية بالتقسيط لموظفي الحكومة، بعد أن بلغ التباطؤ في مبيعات الأحذية مستويات غير مسبوقة، بينما ترتفع أسعارها بلا توقف.

وعجز الموظفون بمصر عن شراء أحذية يمكنها الصمود لعام كامل، "فكان الحل في الأحذية الرخيصة وترقيع البالي منها" على حد قول عزت وهو موظف بوزارة الصحة.

يشير عزت في أسى إلى حذائه البالي الذي تمزق بعد شرائه بأسابيع، مرددا مثلا مصريا معروفا "الغالي ثمنه فيه"، ويستدرك بأن "الغالي من الأحذية بعيد المنال في هذه الظروف".

ويعتقد عزت أن مبادرة الغرفة لن تنجح لأنها "لم تحل مشكلة ارتفاع الأسعار المبالغ فيه، فقط هي قامت بتوزيع الأزمة على مدار العام"، مشيرا إلى أن متطلبات الأسر المصرية باتت تثقل الكاهل، ما دفع الكثيرين للاستغناء عن متطلبات كانت ضرورية قبل أشهر، "ولم يكن يتخيل أحد أن تصل الأزمة للاستغناء عن الأحذية".

وبحسبة بسيطة قام بها عزت على هاتفه المحمول، فإن حذاء ثمنه ستمئة جنيه (نحو 35 دولارا) يتطلب خمسين جنيها (ثلاثة دولارات) يستقطعها من راتبه شهريا.

ويضيف "معظمنا -نحن موظفي مصرـ نعمل أعمالا إضافية، لا تبلى معها أحذيتنا فقط، بل وعافيتنا أيضا، وتلك لن يجدي معها رتق".

عبد الرحمن الإسكافي يلاحظ تزايد من يرقعون أحذيتهم أكثر من مرة
عبد الرحمن الإسكافي يلاحظ تزايد من يرقعون أحذيتهم أكثر من مرة

ازدهار سوق الترقيع
ووفق أحدث إحصاءات الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، يبلغ إجمالي عدد العاملين بالجهاز الإداري للدولة 5.7 ملايين موظف، يرى رئيس الجهاز في تصريحات له أن "482 جنيها شهريا تكفيهم"، وهو مبلغ يعادل 27 دولارا.

يسخر عامر -وهو موظف بوزارة الزراعة- من هذه التصريحات، وهو يضطر إلى ترقيع حذائه كل فترة، هذا الحذاء الذي اشتراه بمبلغ كبير قبل عام ونصف، وهو من علامة تجارية معروفة ومن الجلد الطبيعي.

يصف عامر خامة حذائه بأنها "أفضل عشرات المرات من الأحذية الرخيصة، ومعظمها رديء ولا يجدي معها حتى الترقيع"، ملمحا لعجزه عن شراء حذاء بنفس المستوى، "فكل الجديد الجيد مغالى في أسعاره، وهناك أحذية تباع على الرصيف بأسعار معقولة، ولكنها تبلى في غضون أسابيع".

ويرحب عامر بمبادرة غرفة صناعة الجلود، مؤكدا أنها "ستتيح للموظفين شراء أحذية جيدة، كان ثمن الحذاء الواحد منها يلتهم راتب شهر كامل".

ويلاحظ عبد الرحمن محمود -وهو إسكافي- أن "معدلات الإقبال على رتق الأحذية البالية زادت، وبلغت حد أن البعض يأتي أكثر من مرة راجيا رتق حذاء بلي لدرجة لا تجدي معه وسيلة لإبقائه".

ويوضح رئيس غرفة صناعة الجلود باتحاد الصناعات المصرية جمال السمالوطي أن "مبادرة بيع الأحذية بالتقسيط لجميع موظفي الإدارات الحكومية وأسرهم، تستهدف تخفيف المعاناة عن الموظف مع ارتفاع الأسعار".

وسيكون التقسيط لمدة عام على المنتج وبدون فوائد بحسب السمالوطي، مضيفا خلال مداخلة هاتفية لبرنامج تلفزيوني محلي أن تنفيذ المبادرة سيبدأ مطلع العام المقبل.

المصدر : الجزيرة