الحريري.. مواجهة النفوذ الإيراني بالفراغ

Lebanese Prime Minister Saad al-Hariri talks during a conference in Beirut, Lebanon January 19, 2017. REUTERS/Mohamed Azakir
الأجهزة الأمنية لم تؤكد مزاعم الحريري بشأن محاولة اغتياله (رويترز-أرشيف)

 محمد العلي

سجل رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري سابقة في تاريخ الحكومات اللبنانية عندما أذاع في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2017 نص استقالته من منصبه بالصوت والصورة من بلد ثان، مخالفا العرف الذي يقضي بتقديمها مكتوبة لرئيس البلاد كي يكلفه الأخير مجددا بتصريف الأعمال ريثما تبدأ المشاورات لتشكيل حكومة جديدة. 

كما ربط الحريري الابن الاستقالة المفاجئة للرئيس ورئيس مجلس النواب بخوفه من التعرض للاغتيال. وشبه وضعه الحالي بذاك الذي سبق اغتيال والده عندما كان رئيس وزراء سابقا وكانت الحكومة وقتها برئاسة عمر كرامي

وفي الوقت الذي لم يورد فيه الحريري أي سبب داخلي مباشر للاستقالة سوى الإشارة إلى فرض حزب الله "أمرا واقعا في لبنان بقوة السلاح"، فقد استفاض في شرح أسبابها الأخرى. بين تلك الأسباب رفضه "استخدام سلاح حزب الله ضد اللبنانيين والسوريين"، إلى جانب شكواه من "تدخل حزب الله تسبب لنا بمشكلات مع محيطنا العربي".

ومع تشديد الأجهزة الأمنية اللبنانية أمس والجيش اللبناني اليوم على عدم توفرهما على أي معطيات تدل على أي مخطط لوقوع عمليات اغتيال خلافا لما أذاعته قنوات إخبارية مقربة من السعودية، توجهت الأنظار آليا إلى الأسباب الأخرى التي ذكرها الحريري في بيان استقالته والتي ترتبط أساسا بدور حزب الله وإيران في الحرب السورية.

مع تشديد الأجهزة الأمنية اللبنانية أمس والجيش اللبناني اليوم على عدم توفرهما على أي معطيات تدل على أي مخطط لوقوع عمليات اغتيال خلافا لما أذاعته قنوات إخبارية مقربة من السعودية، توجهت الأنظار آليا إلى الأسباب الأخرى التي ذكرها الحريري في بيان استقالته والتي ترتبط أساسا بدور حزب الله وإيران في الحرب السورية

ومعلوم أن تخلي الحريري عن رئاسة الحكومة ليس الأول رغم حداثة عهده في السياسة اللبنانية. فقد سبق لرئيس الوزراء المولود في السعودية عام 1970 أن أُجبر على الاستقالة في يناير/كانون الثاني 2011 عندما انهارت حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها إثر سحب وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله وزراءهم منها أثناء لقاء الحريري في واشنطن مع الرئيس باراك أوباما.

تجربة ثانية
لكنه عاد وخاض في العام 2016 تجربة التفاهم مع حزب الله والتيار الوطني الحر بعد عامين ونصف العام من الفراغ الرئاسي الذي أعقب انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان. وقد وافق الحريري وقتها على ما اعتبرها "مغامرة سياسية كبرى" قضت بقبول ترشيحه لعون رئيسا جديدا للبلاد مقابل توليه منصب رئاسة الحكومة رغم الاعتراض الواسع من قبل عدد من نواب تيار المستقبل الذي يرأسه وضمنهم رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة

وقد كان من نتائج تلك الصفقة ذوبان "8 آذار" و"14 آذار" التشكيلين السياسيين اللذين طبعا المشهد السياسي اللبناني منذ اغتيال الحريري الأب عام 2005 وانسحاب القوات السورية من لبنان بعد وجود استمر 30 عاما.

الآن بات من شبه المحسوم أن رئيس الوزراء الشاب، الذي دخل الحياة السياسية محمولا على التعاطف الذي واكب مقتل والده في تفجير ما زال التحقيق جاريا لمعرفة مرتكبيه، لن يعود إلى لبنان قريبا.

وهو ما سيطرح تساؤلاتٍ موازيةً دستورية وسياسية. فإذا كانت مهمة الاستقالة مواجهة النفوذ الإيراني بالفراغ، فهذا يعني أن الوزراء السنة سيحاولون الامتناع عن تصريف الأعمال، مما سيجعل الوضع غير مسبوق بأمثلة يمكن القياس عليها.

المصدر : الجزيرة