تلاميذ مصر.. رحلة الدراسة المحفوفة بالمخاطر

Students ride a pickup truck with other people in the province of Al-Sharkia in the northeast of Cairo, Egypt, October 17, 2016. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh
تلاميذ يستقلون وسائل نقل مختلفة للوصول إلى مؤسساتهم التعليمية (رويترز)

عبد الرحمن محمد- القاهرة

رحلة شاقة وملئية بالمخاطر تلك التي تنتظر التلميذ كريم (10 سنوات) كل يوم وهو يحمل حقيبيه متوجها إلى مدرسته بمدينة الجيزة غربي العاصمة المصرية القاهرة.

تبدأ الرحلة حينما تصل الحافلة الصغيرة التي يركبها في العادة سبعة أشخاص، لكنها تحمل اليوم 17 طفلا تقلهم ذهابا وإيابا حيث يحشر هؤلاء الأطفال ويتزاحمون مسافة الطريق.

كريم الذي يصعد للحافلة وفي صدره حنق مكتوم يمثل فئة واسعة من تلاميذ مصر الذين يتكسدون في وسائل نقل مختلفة أشهرها "التوك توك" حيث أصبح الوصول إلى مدارس التعليم الأساسي بمصر معاناة يشترك في تحملها نسبة كبيرة من الطلبة وأولياء أمورهم بعد تضاعف رسوم باصات المدارس الخاصة وارتفاع تكاليف وسائل النقل بشكل عام، في ظل أوضاع اقتصادية متردية تزداد تدهورا يوما بعد يوم.

ومع افتقاد بعض وسائل النقل التي تقل التلاميذ لمدارسهم إلى معايير السلامة المطلوبة وعلى رأسها زيادة الحمولة، يعد شوقي سعيد -صاحب محل صغير لبيع المواد الغذائية والمنزلية- الساعات منتظرا عودة أبنائه الثلاثة من رحلة محفوفة بالمخاطر خلال الذهاب والعودة للمدارس.

وأمام محدودية الدخل لم يجد سعيد من سبيل أمامه إلا القبول بنقل أولاده في باص صغير يشبّهه بعلبة السردين لكثرة عدد الأطفال المستقلين له حيث لا مجال للرفض أو الاعتراض مع عدم وجود بدائل أفضل.

ويفسر هذا المواطن المصري تعذر البدائل بارتفاع الرسوم المفروضة من قبل المدارس الخاصة على النقل بباصاتهم الخاصة حيث تضاعفت بشكل كبير لتصل إلى حد لا يتناسب مع ظروفه المادية التي لا تختلف كثيرا عن غالبية أولياء الأمور في مصر، وهو ما يضطرهم إلى اللجوء لعربات خاصة يحشد أصحابها فيها أكبر عدد ممكن طمعا في الربح.

وهكذا لا يطمئن سعيد ولا يهدأ باله إلا عند عودة أبنائه الثلاثة إلى المنزل قبل أن تتجدد المخاوف مرة أخرى في اليوم التالي.

‪كريم وزملاؤه يتكدسون في حافلة صغيرة تنقلهم للمدرسة‬ (الجزيرة)
‪كريم وزملاؤه يتكدسون في حافلة صغيرة تنقلهم للمدرسة‬ (الجزيرة)

حوادث مفجعة
ورغم عدم وجود إحصائيات واضحة لضحايا حوادث نقل تلاميذ المدارس، إلا أنه لا يكاد يمر شهر بمصر حتى يفجع آباء بذهاب فلذات أكبادهم ضحية لتلك الحوادث الناتجة عن وسائل نقل غير مناسبة، كان آخرها مصرع سبعة تلاميذ غرقا في ترعة المحمودية بمحافظة البحيرة إثر انقلاب "توك توك" كان يقلهم.

ووفقا لإحصائيات رسمية، يزيد عدد المدارس الحكومية عن 47 ألف مدرسة، بها أكثر من 19 مليون طالب وطالبة، فيما يزيد عدد المدارس الخاصة عن سبعة آلاف مدرسة، بها أكثر من مليوني طالب وطالبة، ولا توفر المدارس الحكومية أي وسيلة نقل لطلابها، في حين توفر المدارس الخاصة وسائل نقل برسوم عالية.

وإلى جانب حشد أعداد كبيرة من التلاميذ في العربات والباصات الخاصة و"التوك توك" بالمدن الكبرى، يعاني الطلاب في المدن الصغيرة والأرياف من استخدام وسائل نقل غير آدمية، كعربات الحمير وعربات نصف النقل المخصصة للبضائع وقوارب متهالكة لعبور النيل في بعض المناطق المطلة عليه، بالإضافة إلى وسائل أخرى.

‪‬ التوك توك إحدى وسائل النقل التي تعمل على نقل التلاميذ(الجزيرة)
‪‬ التوك توك إحدى وسائل النقل التي تعمل على نقل التلاميذ(الجزيرة)

مسؤولية الدولة
معاناة طلبة المدارس الحكومية، وهم النسبة الأكبر من عدد طلاب مصر، تتحمل الدولة مسؤوليتها، حسبما يرى الخبير بشؤون التعليم في مصر، عطية النعماني، وذلك لعدم توفيرها مدراس بكل حي تستوعب التلاميذ. وأمام هذا الواقع يضطر أولياء الأمور إلى تسجيل أبنائهم بمدارس بعيدة تستلزم وسائل نقل للوصول إليها.

ومن النماذج التي قدمها المتحدث للجزيرة نت على سبيل المثال أن منطقتي الهرم وفيصل بمحافظة الجيزة والمعروفتين بكثافتهما السكانية لم تُنشأ فيهما مدارس حكومية جديدة منذ عشرين عاما بحجة عدم وجود أراض مناسبة، رغم ارتفاع عدد سكانهما بنسبة تتجاوز 800% خلال هذه الفترة.

كما تستغل المدارس الخاصة عدم وجود رقابة مؤثرة وتقوم برفع رسوم خدماتها المختلفة ومنها رسوم مواصلاتها لتصل إلى أربعة آلاف جنيه (228 دولار) للطالب الواحد خلال الفصل الدراسي، وهي رسوم من المتوقع أن تعرف ارتفاعا في ظل إقرار فرض ضرائب على باصات المدارس الخاصة من العام المقبل.

ولا يتوقع النعماني حلا قريبا لهذه المعضلة، مبديا أسفه لأن أطفال مصر لم يعد أمامهم إلا "الأحلام" لاستقلال وسيلة نقل تجلب لهم السعادة والرضا والأمان.

المصدر : الجزيرة