ظهور الحريري "المرتبك" يزيد المشهد غموضا

سعد الحريري يتحدث في أول لقاء تلفزيوني منذ تقديمه استقالته في الرياض من رئاسة الحكومة اللبنانية
رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري خلال حديثه لقناة المستقبل اللبنانية (الجزيرة)
لم ينه اللقاء الذي أجراه رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري حالة اللغط حول وضعه في الرياض والضغوط التي تمارس عليه هناك، بل زادت الحالة التي ظهر عليها الرجل وظروف المقابلة حيرة اللبنانيين، والتباس المشهد الذي أحاط باستقالته.

وأمعن المتابعون في تحليل أدق التفاصيل في حديث الحريري، وتحليل حركاته وإيماءاته وقسماته، وما دار في المكان الذي خصص لإجراء المقابلة مع الإعلامية اللبنانية بولا يعقوبيان، التي قالت إنها استدعيت من قبل الحريري لإجراء المقابلة.

وأعلن الحريري استقالته قبل أيام من الرياض، مثيرا بطريقتها ومفرداتها جدلا واسعا بين مختلف المكونات في لبنان طالت حتى حزبه تيار المستقبل، وامتدت على الصعيد الدولي، حيث اعتبره البعض "رهينة" لحسابات سعودية في لبنان والمنطقة.

وكانت الغاية من هذا اللقاء أن يفند الرجل ما قيل حول احتجازه في السعودية وإرغامه على تقديم استقالته، وإملاء خطاب الاستقالة عليه، لكن معظم المتابعين فسروا المقابلة في غير الاتجاه الذي أراده الحريري، حيث لم يزل كلامه حالة الغموض، بل زادها، وفق الكثير من المتابعين.

وجاءت المقابلة رد فعل على تداعيات الاستقالة على الصعيدين اللبناني والدولي، وسعي الحكومة اللبنانية لحمل قضية الحريري إلى مجلس الأمن، والمطالبات الدولية بكشف وضع الحريري في المملكة وسرعة عودته إلى لبنان؛ ومثلت ضغطا كبيرا على السعودية التي أرادت المقابلة لتخفيف الضغوط عليها.

سعد الحريري قدّم استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية في خطاب من الرياض (الجزيرة)
سعد الحريري قدّم استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية في خطاب من الرياض (الجزيرة)

حالة ارتباك
وأحاطت بالمقابلة نفسها عدة ظروف، حيث رفض مضمونها سلفا كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، إضافة إلى حزب الله، معتبرين أن وضع رئيس الوزراء في السعودية غير واضح، كما امتنعت عدة قنوات تلفزيونية لبنانية عن بثها (معظمها قريبة من تيار 8 آذار).

وإثر اللقاء انتشرت وسوم على الصفحات اللبنانية، كان أبرزها: #المغيب_سعد_ الحريري و#تحت_الضغط، حيث قرأ المغردون مجريات المقابلة على أن الحريري ما زال تحت الضغط، ويتصرف وفق إملاءات سعودية.

ولعل ما استوقف المتابعين في قراءتهم أجواء المقابلة والحركات الجسدية للحريري وتأويلها لتشخيص ما يدور هو حالة الحزن والقلق وفقدان الحيوية والارتباك التي بدا عليها، والتي تجلت في صوته المهزوز وتكرار الكلمات.

ورأى مغردون ومحللون أن الحريري لم يكن مقنعا في حديثه رغم أنه هادئ النبرة تجاه حزب الله، في تناقض مع ما جاء في خطاب الاستقالة، الذي كان شديد اللهجة، وهو ما أعاد طرح السؤال عمن كتب خطاب الاستقالة.

وانتبه الكثيرون إلى الرجل المجهول الذي ظهر خلف المذيعة يعقوبيان خلال اللقاء، وهو يحمل أوراقا، ونظرة الحريري الملفتة إليه، وفي حين رأى البعض أن الرجل رقيب سعودي على الحريري، رجّح آخرون أنه أحد مستشاري الحريري.

وركز متابعون على حالة الوجوم التي كان عليها الحريري، التي انعكست على المذيعة بولا يعقوبيان المعروفة بحيويتها، وأشاروا إلى أنه لم يبتسم مطلقا في اللقاء، كما انتبه البعض إلى أظافره غير المقلمة، وعدم ارتدائه ساعته الذكية، وفسروا الأمر بأنه "محتجز".

وأشار محللون إلى أن ظهور الحريري وخطابه "الهادئ" يظهر تراجعا سعوديا بعد فشل "مخطط تصعيدي" كان يفترض أن يحصل من خلال إعلان الحريري استقالته، وبقاء البلاد في حالة هدوء،  وارتداد الأزمة على السعودية نفسها.

‪الرئيس ميشال عون اعتبر الحريري محتجزا في السعودية‬  (الجزيرة)
‪الرئيس ميشال عون اعتبر الحريري محتجزا في السعودية‬ (الجزيرة)

تأويلات متباينة
وفي محصلة الخطاب نفى الحريري ما تردد من أنه مقيد الحركة في السعودية، وأكد أنه كتب قرار استقالته بيده، موضحا أنه كان موجودا في منزله منذ وصوله إلى الرياض، وأنه سيعود قريبا جدا إلى لبنان، بعد اتخاذ إجراءات تضمن أمنه وسلامته، وربط العودة عن استقالته بالالتزام بسياسة النأي بالنفس عن أزمات المنطقة.

وشدد الحريري على أن تزامن إعلان استقالته مع اعتقال أمراء ورجال أعمال بالسعودية "محض صدفة لا أكثر"، كما أثنى على علاقته بولي العهد محمد بن سلمان وعلاقته المتميزة به.

واستقبلت نخب وشخصيات لبنانية المقابلة بروح إيجابية، خاصة إشارة الحريري إلى عودته القريبة، حيث حيا رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط الحريري بقوله "تبقى يا شيخ سعد رجل الحوار، رجل الدولة"، في حين علق رئيس مجلس النواب نبيه بري بقوله "عدول سعد الحريري عن الاستقالة فيه عدالة".

من جهته، قال رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع "الشيخ سعد الحريري حلقة استثنائية.. نحن بانتظارك"، كما أكد عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل مصطفى علوش أن "المقابلة التلفزيونية فتحت الباب، وأن الحل اليوم يستند إلى ردة فعل الفريق الذي يفترض أن يملك الحل". في إشارة إلى حزب الله والرئيس ميشال عون.

وفي قراءتها للخطاب، قالت وكالة تسنيم الإيرانية إن الحريري جاء بسقف أقل انخفاضا عند تقديم بيان الاستقالة، ولم يتحدث عن "قطع الأذرع الإيرانية في المنطقة" باتجاه تفاوض لإخراج حزب الله من حالته الإقليمية المزعجة للسعودية إلى حالة لبنانية صرفة، على حد قولها.

ويتفق المتابعون على أن أبرز ما جاء في المقابلة تأكيد الحريري قرب عودته إلى لبنان، وهي الحالة التي تزيل بشكل كبير الالتباس الحاصل حول وضعه بالسعودية ومستقبله في المشهد السياسي اللبناني، ووضع لبنان وتوافقاته وموقعه في الصراع الإقليمي.

المصدر : الجزيرة