استقالة الحريري.. هل تحولت من ورقة إلى أزمة سعودية؟

Posters depicting Lebanon's Prime Minister Saad al-Hariri, who has resigned from his post, are seen in Beirut, Lebanon, November 10, 2017. REUTERS/Mohamed Azakir
استقالة الحريري وحدت اللبنانيين على اختلاف توجهاتهم خلف مطالب عودته من السعودية (رويترز)
محمد النجار

بعد أسبوع على "زلزال" الاستقالة التي تقدم بها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من الرياض وعبر وسيلة إعلام تابعة لها، يتساءل مراقبون: هل تحولت هذه الاستقالة إلى أزمة للسعودية التي أرادتها ورقة ضغط جديدة تؤزم بها موقف إيران وحزب الله؟

لعل الهدف الأهم الذي أرادت السعودية تحقيقه من وراء استقالة الحريري -والحديث للمراقبين- هو وضع حزب الله في أزمة مع الأطراف اللبنانية كافة، باعتباره عامل توتر وإثارة فوضى في لبنان والمنطقة.
 
غير أن الأيام الماضية أظهرت لبنان في موقف بدا نادرا، حيث ظهر أن هناك إجماعا لبنانيا على المطالبة بعودة الحريري إلى بيروت، رغم التباين في توصيف وضعه أهو "محتجز" أو "تحت الإقامة الجبرية" أو "مقيم" في السعودية.
 

لغة جديدة
وفي تحليل أزمة الموقف السعودي، قرأ محللون لغة جديدة قالوا إن القائم بالأعمال السعودي في بيروت وليد البخاري سمعها من الرئيس ميشال عون، حيث عبر الأخير عن رفضه للطريقة التي استقال بها الحريري واعتبرها "غير مقبولة"، مجددا مطالبته بعودة الحريري إلى لبنان.

 
وقبلها كان تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري قد تحدث بلغة غير معهودة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسعودية.
 
فقد قالت كتلة التيار البرلمانية إن عودة الحريري إلى لبنان ضرورة لاستعادة الاعتبار للتوازن الداخلي والخارجي في إطار الاحترام الكامل للشرعية اللبنانية المتمثلة في الدستور واتفاق الطائف، واحتراما للشرعيتين العربية والدولية. 
 
وحاول رئيس الكتلة فؤاد السنيورة التخفيف من وطأة بيان كتلته عندما قال في لقاء بمدينة صيدا جنوبي لبنان إن "البيان ليس تصعيدا بوجه السعودية". لكن صدى البيان ولغته وانسجامه مع مواقف الأطراف الأخرى في البلاد، كل ذلك وضع موقف تيار المستقبل ضمن إجماع ربما حرصت السعودية ألا يتشكل عندما دفعت الحريري للاستقالة.
وصورة الإجماع اللبناني تمثلت في الرسالة التي سيحملها البطريرك بشارة الراعي إلى الرياض وتطالب بتنحية لبنان عن تجاذبات إقليمية، في مشهد حوّل السعودية إلى موقع المواجه لإجماع لبناني يطالبها بإبعاده عن تجاذباتها مع إيران.

تقلبات الحلفاء
ويبدو أن أزمة الاستقالة وإيجاد مناخ مؤيد لها قد انتقلا إلى حلفاء الرياض، والموقف الأكثر إثارة للانتباه كان موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أعلن في ثلاث مناسبات الأسبوع الماضي رفضه اتخاذ إجراءات ضد حزب الله.

 
وقال السيسي في مقابلة مع شبكة "سي.أن.بي.سي" الأميركية إن مصر لن تتخذ إجراءات ضد حزب الله، وبدا كأنه يرد على دعوة وزير شؤون الخليج العربي ثامر السبهان الذي دعا إلى اتخاذ هذه الإجراءات ضد الحزب.
 
وعاد السيسي في تصريحات نقلتها وكالة رويترز الأربعاء الماضي ليعارض اندلاع حرب ضد حزب الله.
 
على صعيد المواقف الدولية، يبدو أنها لم تأت حتى الآن وفق الأهداف التي أرادتها السعودية من أزمة استقالة الحريري.
 
والأبرز في هذا الإطار موقفان لفتا أنظار المراقبين، الأول موقف الخارجية الأميركية التي قالت أولا إن القائم بأعمال سفارتها في الرياض التقى الحريري، دون أن توضح ظروف اللقاء.
لتعود الخارجية بتصريح جديد أمس الجمعة كان لافتا عندما قالت إن الولايات المتحدة تعتبر الحريري شريكا مهما في تحقيق الاستقرار. وكان السؤال هنا عن معنى الشراكة، وهل يعني أن واشنطن لا تعترف بالاستقالة، أم أنها تعني أن شراكتها معه باعتباره زعيما سياسيا لواحد من أهم التيارات السياسية في بلاده؟
 
الموقف الثاني الذي وجب التوقف عنده تمثل في تغيير الخارجية الفرنسية لغة بيانها، حيث أصدرت أمس الجمعة تصريحا قالت فيه إنها تريد أن يكون الحريري "حرا في تحركاته وتنقلاته، وأن يلعب دوره الحيوي في لبنان"، مؤكدة أن سفيرها في السعودية التقاه في مكان إقامته، دون أن تعطي تفاصيل أكثر عن اللقاء.
 
واللافت أن التصريح السابق للخارجية الفرنسية قال إن باريس "تعتقد أن الحريري حرّ في تنقلاته، ولا يخضع للإقامة الجبرية" في السعودية.

مشهد متغير

غير أن مراقبين يحذرون من الإفراط في التفاؤل إزاء مشهد "الإجماع اللبناني" الذي يمكن أن يتغير في ضوء التجاذبات الإقليمية التي عادة ما تؤثر على لبنان، خاصة في ضوء تصاعد الأزمة بين إيران والسعودية، وهما أبرز المؤثرين في المشهد اللبناني.
كما أن هناك من يرى أن المواقف الدولية قد تتغير في بورصة المصالح المشتركة، لاسيما بعد الكشف عن طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساعدة مالية من ولي العهد السعودي لتمويل القوة العسكرية في منطقة الساحل الأفريقي.
 
وفي ملف حزب الله تحديدا، يجب ألا يغيب العامل الإسرائيلي الذي يبدو أنه ينتظر حتى الآن مآلات التصعيد السعودي ضده، وسط تأكيدات من محللين إسرائيليين أن تل أبيب لن تضيع أي فرصة تسنح لها لضرب حزب الله استغلالا لانشغاله في الدفاع عن نظام بشار الأسد في سوريا، أو اندلاع اضطرابات في لبنان.
المصدر : الجزيرة + وكالات + الصحافة اللبنانية