مخاوف من تحول فرنسا إلى دولة بوليسية

خاص بالجزيرة نت. باريس
يمنح القانون الجديد قوات الأمن تكثيف دورياتها في نطاق جغرافي أوسع (الجزيرة)

هشام أبو مريم-باريس

أثار قانون مكافحة الإرهاب الجديد في فرنسا المخاوف من أن تتحول البلاد لدولة بوليسية، حيث تعرب منظمات حقوقية وناشطون عن مخاوفهم من أن يؤثر هذا القانون على مبادئ الديمقراطية والحريات.

وصوّت البرلمان الفرنسي بأغلبية ساحقة الثلاثاء على مشروع قانون مكافحة الإرهاب، مع قرب انتهاء فترة حالة الطوارئ التي تم تمديدها للمرة السادسة على التوالي بسبب تنامي التهديدات الإرهابية ضد فرنسا.

وأقرت الجمعية الوطنية -التي يسيطر عليها الحزب الحاكم التابع لحركة "الجمهورية إلى الأمام"- القانون الجديد بأغلبية مريحة، بلغت 415 نائبا، في حين عارضه 127 نائبا، وامتنع 19 نائبا عن التصويت. ومن المقرر أن تتم المصادقة بشكل نهائي على القانون منتصف الشهر الجاري على يد مجلس الشيوخ.

ويحظى القانون الجديد بمعارضة شديدة من قبل قوى اليسار وعدد من المنظمات الدولية والحقوقية، بينها منظمة العفو الدولية، لأنه يسمح بإدراج بعض إجراءات حالة الطوارئ في القانون العام، وهو ما ترفضه هذه المنظمات، معتبرة أنه يكرس لقوانين استثنائية.

‪(الفرنسية-غيتي)‬ صوّت أغلبية النواب لصالح قانون الإرهاب الجديد
‪(الفرنسية-غيتي)‬ صوّت أغلبية النواب لصالح قانون الإرهاب الجديد

دولة بوليسية
وفي تصريح للجزيرة نت، قال رئيس رابطة حقوق الإنسان الفرنسية سالم كور مالك إن القانون الجديد سيفتح الباب أمام خروق وتجاوزات غير مسبوقة لأنه يمنح صلاحيات كبيرة لولاة الأمن وقوات الشرطة على حساب الجهاز القضائي، وهو ما يعد أمرا خطيرا بالنسبة لدولة ديمقراطية تكفل وترعى الحريات.

وحذر مالك من تحويل فرنسا إلى دولة بوليسية، تنتهك الحريات الفردية والجماعية بدعوى محاربة الإرهاب، مشيرا إلى أنه يجب أن يكون ذلك مرتبطا باحترام المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.

ويسمح القانون الجديد لقوات الأمن بوضع أي مشتبه فيه تحت الإقامة الجبرية من دون الحصول على تصريح من قاضي التحقيق، وهو إجراء يُعمل به منذ سن قانون حالة الطوارئ قبل عامين.

كما أن المشتبه به أصبح مجبرا على منح أرقامه الهاتفية وكلمات المرور الخاصة به التي يستعملها في وسائل التواصل الاجتماعي للشرطة.

واستهجنت منظمة هيومن رايتس ووتش في فرنسا الإجراء، واعتبرته انتهاكا غير مسبوق للحريات الفردية، وطالبت الحكومة بتعديل القانون المثير للجدل.

مالك حذر من تحول فرنسا لدولة بوليسية (الجزيرة)
مالك حذر من تحول فرنسا لدولة بوليسية (الجزيرة)

التضييق على المسلمين
ويستهدف القانون الجديد أيضا مسلمي فرنسا، حيث سيكون من السهل غلق أماكن العبادة، في حال اتهامها بالتحريض على الكراهية أو العنف. وكانت عمليات إغلاق المساجد تتم في حال وجود أدلة دامغة، لكن مادة في القانون الجديد شملت "الأفكار" أيضا، وهو تعبير فضفاض يمكن أن تلجأ إليه السلطات لرمي واتهام أي مؤسسة إسلامية بنشر الفكر المتطرف.

ومن دون تقديم دلائل على هذا النوع من الاتهامات، اعتبرت منظمة حقوق الإنسان الفرنسية هذه المادة مخالفة للقانون الدولي لأنه سيتم غلق مؤسسات إسلامية بسهولة ومن دون أية أدلة.

يشار إلى أن السلطات الأمنية لمدينة سارتروفيل في الضاحية الباريسية قررت -بعد تمرير القانون الجديد الأربعاء- غلق مسجد بدعوى نشر الفكر السلفي ومعاداة قيم الجمهورية الفرنسية، وهو ما نفاه المسؤولون عن المسجد.

وقال الناشط الحقوقي والمتحدث السابق باسم الائتلاف الفرنسي لمناهضة الإسلاموفوبيا ياسر لواتي، في تصريح للجزيرة نت، إن هذا القانون بمثابة عقاب جماعي لكل المسلمين في فرنسا، وبأنهم لم يعودوا في مأمن من التجاوزات والخروق التي ستحدث مستقبلا باسم مكافحة الإرهاب.

واتهم لواتي ممثلي الجالية الإسلامية بالخنوع والسكوت عن قانون يستهدف بشكل مباشر مسلمي فرنسا، وينتهك حقوقهم تحت ذريعة محاربة الإرهاب.

وأوضح الناشط الحقوقي أن قوانين حالة الطوارئ عرفت خروقا فظيعة ضد المسلمين، بينها فرض الإقامة الجبرية على عشرات المواطنين الأبرياء واقتحام نحو خمسة آلاف منزل، وترويع أطفال ونساء أثناء المداهمات الليلية.

‪لواتي اتهم ممثلي الجالية الإسلامية بالخنوع والسكوت‬ (الجزيرة)
‪لواتي اتهم ممثلي الجالية الإسلامية بالخنوع والسكوت‬ (الجزيرة)

توسيع المراقبة
ويسمح القانون الجديد لأجهزة المخابرات الفرنسية بالتجسس على نطاق واسع على المكالمات الهاتفية للفرنسيين، وعلى بريدهم الإلكتروني، إضافة إلى زرع كاميرات المراقبة في كل الأماكن التي تراها مناسبة للحصول على المعلومات دون الخوف من أي متابعات قضائية.

ويمنح القانون الجديد قوات الأمن تكثيف دورياتها في نطاق جغرافي أوسع بعدما كانت تقتصر على أماكن حساسة وإستراتيجية. كما أن القانون يعطي لقوات الشرطة الحق في توقيف الأشخاص والتثبت من أوراق هويتهم، خارج محطات القطارات والمطارات وعلى مدى عشرين كيلومترا، مع تمديد فترة توقيفهم من ست ساعات إلى 12 ساعة.

جمعيات حقوقية فرنسية حذرت من هذا الإجراء، معتبرة أن توقيف الأشخاص سيتم بناء على ملامحهم ولباسهم، وهو ما قد يترتب عنه تجاوزات بدوافع عنصرية.

المصدر : الجزيرة