لماذا يُغتال شيوخ المصالحة في ليبيا؟

مراسم تشيع الضحايا – من صفحة مجلس شيوخ ليبيا
صورة نشرها مجلس شيوخ ليبيا لتشييع الشيخين عبد الله انطاط وخميس اسباقة اللذين اغتيلا بين مدينتي الشقيقة ومزدة
فؤاد دياب-الجزيرة نت

أثار اغتيال عدد من شيوخ وحكماء المجالس الاجتماعية في ليبيا تساؤلات عن توقيت هذه الجرائم والهدف منها، في ظل سعيهم المتواصل لرأب الصدع بين القبائل والمدن المتخاصمة، وفض النزاعات بينها، وإنهاء حالة الانقسام، وتحقيق الاستقرار والسلم الاجتماعي.

وكان مجهولون اغتالوا بالرصاص الجمعة الماضية مقرِّر مجلس أعيان التبو محمد بدي الطاهر في بلدة القطرون جنوبي ليبيا، وجاء ذلك بعد ساعات من اغتيال عضوي وفد المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة في مدينة بني وليد (جنوب شرق طرابلس) الشيخين عبد الله انطاط وخميس اسباقة، ومرافقَيْهما، بالرصاص في الطريق بين مدينتي الشقيقة ومزدة (جنوب غرب طرابلس)، حيث كانا مكلفين بحل الخلافات والمصالحة بالمنطقة الغربية.

واغتيال شيوخ المصالحة قوبل بإدانات واسعة من مؤسسات الدولة المنبثقة عن الاتفاق السياسي أو تلك المناوئة لها شرقي ليبيا، ومن عدد كبير من مجالس الشورى والحكماء والأعيان والبلديات.

وأعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج أنه سيصدر قرارا باعتبار الشيخين عبد الله انطاط وخميس اسباقة من "شهداء الواجب".

ودعت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا السلطات إلى سرعة ضبط وتقديم الجناة المسؤولين عن اغتيال الشيخين إلى العدالة، وشددت على ضرورة ألَّا يؤدي اللجوء للعنف لإعاقة جهود الوساطة والحل السياسي.

من جهتها أكدت وزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني أنها باشرت التحقيقات لكشف ملابسات الاغتيال واعتقال الجناة وتقديمهم للعدالة.

‪المبشر قال إن من يغتالون رجال المصالحة مستفيدون من الفوضى‬ (الجزيرة نت)
‪المبشر قال إن من يغتالون رجال المصالحة مستفيدون من الفوضى‬ (الجزيرة نت)

عرقلة المصالحة
ويقول رئيس مجلس أعيان ليبيا للمصالحة محمد المبشر إن هناك من يسعى لعرقلة المصالحة الوطنية ولو بقتل واختطاف رجال وشيوخ المصالحة، ويضيف أن من يمارس هذه الجرائم مستفيد من هذه الفوضى، وأن المصالحة الوطنية ستُنهي مصالحه.

ويتابع للجزيرة نت أنه يستوي في ذلك زعماء المليشيات المسلحة والتيارات السياسية التي لا ترغب في المصالحة إلا بشروطها. وكان المبشر قد تعرض في فبراير/شباط 2016 لمحاولة اغتيال في طريق وادي الربيع جنوب مدينة طرابلس.

ووصف رئيس الأمانة العامة لمجلس شيوخ ليبيا أيوب الشرع استهداف رجال المصالحة في هذه الظروف الاستثنائية الصعبة بالجريمة النكراء.

وقال للجزيرة نت إن الاغتيالات بحق هؤلاء زادت في الآونة الأخيرة، مؤكدا أن هذا يدل على مدى تأثيرهم الإيجابي داخل المجتمع في لمّ شمل أبناء الوطن.

‪الشرع فسّر توالي الاغتيالات بحق الساعين للمصالحة بالتأثير الإيجابي لهؤلاء على صعيد لم شمل الليبيين‬ (الجزيرة نت)
‪الشرع فسّر توالي الاغتيالات بحق الساعين للمصالحة بالتأثير الإيجابي لهؤلاء على صعيد لم شمل الليبيين‬ (الجزيرة نت)

وكان مجلس شيوخ ليبيا قد عمل في النصف الأول من هذا العام على الإفراج عن 63 محتجزا في مدن المنطقة الغربية، كانوا محتجزين بسبب انتماءاتهم، إضافة لتهدئة بؤر التوتر والاشتباكات بين الكتائب المسلحة، وإرجاع مهجرين لديارهم.

واتفق رئيس المجلس الوطني للمصالحة في ليبيا الطاهر البدوي مع زميله الشرع في أن استهداف الشيوخ ضربة في خاصرة المصالحة الوطنية، وجريمة في حق المصلحين وجهود الإصلاح في ليبيا.

ودعا البدوي في حديثه للجزيرة نت إلى أن تكون مدينة بني وليد "قبلة للمصالحة" تقديرا لتضحياتها وجهودها في رأب الصدع ولمّ شمل الليبيين، مستغربا من مجالس الدولة الثلاثة وحكومتي البلاد لعدم إعلانهم الحداد على أرواح الضحايا أو تنكيس الأعلام ولو ليوم واحد.

استمرار الفوضى
وعن الجهة المستفيدة، يقول الشرع إن هذه الأفعال تصب في صالح الأطراف التي يسعى لإطالة الأزمة، وسفك دماء الليبيين، وإرباك المشهد السياسي، وإدخال البلاد في المزيد من الفوضى، وعدم السماح للسلطات الثلاث بممارسة أعمالها وفق القانون.

‪البدوي أوضح أن الأطراف التي تقف وراء الاغتيالات لا تريد لليبيا أن تستقر‬ (الجزيرة نت)
‪البدوي أوضح أن الأطراف التي تقف وراء الاغتيالات لا تريد لليبيا أن تستقر‬ (الجزيرة نت)

وعزا الطاهر البدوي استهداف رجال المصالحة إلى نجاحهم في رأب الصدع ونزع فتيل الأزمة في عدد من المناطق والمدن الليبية دون أي دعم من مؤسسات الدولة، وقال إن الجهات التي تقف وراء هذه الجرائم لا ترغب في استقرار البلاد، بل تريد استمرار الفوضى لمآرب خاصة.

ويرى الباحث والأكاديمي من مدينة مصراتة محمد إسماعيل أن الجهة التي تقف خلف هذه الجريمة لا تريد للمنطقة الغربية الاستقرار والوئام، بل تريد الفتنة والحرب.

ويقول إسماعيل للجزيرة نت إن من يريد إشعال الحرب هما طرفان: الأول بقايا النظام السابق، والثاني خليفة حفتر الذي يسعى لتعزيز نفوذه في المنطقة الغربية.

وكان وفد المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية قد تعرض يوم 17 يوليو/تموز الماضي للاعتداء والطرد من مقر إقامته بمدينة البيضاء (شرقي ليبيا) من قبل مجموعة مسلحة تنتسب لكتيبة أولياء الدم التابعة لعملية الكرامة في منطقتي القبة وعين مارة.

المصدر : الجزيرة