قطف الزيتون بغزة.. تظاهرة تراثية وطقوس احتفالية

غزة، أكتوبر 2017، انطلاق موسم قطف الزيتون وسط مظاهر احتفالية تراثية.
انطلاق موسم قطف الزيتون بغزة (الجزيرة)
محمد عمران-غزة
تتكئ السبعينية مزيونة أبو عابد على عكازها بيدها اليسرى وتقطف الزيتون بيدها اليمنى، ولا يتوقف لسانها عن الحديث بكلمات تحفيزية تارة وبأقوال مأثورة تارة أخرى، لتصنع من عباراتها المسجوعة سيمفونية بمثابة وقود للكبار والصغار، تمنحهم الحيوية والنشاط خلال قطف الزيتون بغزة.

لا تغادر الابتسامة محياها وهي تقطف حبات الزيتون بتؤدة، إلا عند مشاهدتها الشبان يستندون إلى جذع صغير، أو يقطفون بسرعة فيكسرون غصنا، لتهب بنبرة صوتها الحادة مانعة إياهم من العمل بهذه الطريقة، وترشدهم للتعامل مع شجرة الزيتون كما تدلل الأم أبناءها.

مسنة نشيطة
تعمد مزيونة لارتداء ملابس مرتبة ومتناسقة الألوان، بين الجلابية وغطاء الرأس، خلال موسم قطاف الزيتون، باعتباره عيدا يتشابه مع العيدين، رغم أن الزيتون "زيته طيب ولقاطه يشيب"، كما تقول في إشارة إلى مشقة القطاف، لكن "الزيت عمار البيت".

‪‬  مزيونة أبو عابد مسنة فلسطينية تحرص على المشاركة في موسم قطف الزيتون بروح شابة(الجزيرة)
‪‬  مزيونة أبو عابد مسنة فلسطينية تحرص على المشاركة في موسم قطف الزيتون بروح شابة(الجزيرة)

ولا يتسلل التعب أو الإرهاق لجسدها رغم اقترابها من سن الثمانين، فهي تقضي نهارها في بستان زيتونها جنوب غزة تقطفه واقفة أو جالسة لفرز الزيتون الأخضر والأسود دون ملل.

ورغم تبدل الأحوال مع مضي عشرات السنين، فإن هذه المسنة الفلسطينية تؤكد للجزيرة نت أن موسم الزيتون ما زال يحافظ على رونقه وجماله الخاص من حيث الطقوس التراثية المصاحبة للموسم.

وتقول إن أصوات الشبابة (آلة موسيقية محلية) لا تنقطع تصحبها الأهازيج الشعبية، يحفظها الأحفاد والأبناء عن الأجداد، وأثناء إعداد الأكلات والمشروبات على نار الحطب لإطعام قاطفي الزيتون طوال الموسم.

تقاليد وتراث
يبرز هذا المشهد التراثي بصورة أوضح في بستان زيتون قريب، حيث تجهز أم هاني مخبوزات الدقة والزعتر مع الزيت في فرن طيني، بينما تعد الشاي بموقد صغير بجانب الفرن، لتبدأ عائلتها نهار القطاف بفطور من صنع يديها.

‪‬  روح التعاون تسود بين أصحاب بساتين الزيتون بغزة(الجزيرة)
‪‬  روح التعاون تسود بين أصحاب بساتين الزيتون بغزة(الجزيرة)

ولأن بستان عائلة أم هاني الأكبر بالمنطقة من حيث أعداد الأشجار، فإن الجيران والأقارب والأصدقاء يحرصون على البدء بمساعدتها في القطاف، قبل أن ينتقل الجميع لبقية البساتين المجاورة، في تعاون لا يتكرر إلا في مواسم الحصاد.

وبينما يتسلق الشبان الأغصان العالية أو عبر السلالم الخشبية، تقطف النسوة الزيتون من الأغصان المنخفضة، ويقضي الأطفال والفتية بعض الوقت في جمع الزيتون من على الأرض المغطاة بقطع من النايلون قبل أن ينشغلوا بممارسة هواياتهم برقصة الدحية الشعبية.

عند الظهيرة، ينشغل الرجال بتنظيف الورق من أكوام الزيتون، بينما تشعل النساء الحطب لتجهيز خبز الصاج وبعض الفطائر المحشوة بالسكر والقرفة، كنوع من الحلوى التي تمدهم بالطاقة لبقية النهار.

إعداد خبز الصاج جزء من طقوس قطف الزيتون في غزة(الجزيرة)
إعداد خبز الصاج جزء من طقوس قطف الزيتون في غزة(الجزيرة)

وفي غمرة انشغالهم بقطف الزيتون، يستقبلون زيارات من رياض أطفال ومدارس وجامعات ومؤسسات، لأن موسم قطف الزيتون مناسبة وطنية، يشارك فيها الجميع ويحتفى بها على نطاق واسع، وتشكل مشاركة الفتية والشباب في هذا الموسم جزءا من رؤية فلسطينية لتعزيز قيم حب الوطن والتشبث بالأرض.

رمز الصمود
فشجرة الزيتون رمز للصمود، حسب سعيد قديح المسؤول بمديرية تعليم شرق خان يونس، ويقول للجزيرة نت إن فلسطين أرض الزيتون؛ لذا يتحول هذا الموسم إلى تظاهرة وطنية تبرز خلالها مكونات تراثية وشعبية عديدة، مضيفا أنها فرصة كذلك لتدريب النشء على روح التعاون والعمل الجماعي.

ويتكرر سيناريو الاحتفالية اليومية حين الانتهاء من قطف الزيتون، ونقله إلى المعاصر القريبة لإنتاج الزيت، حيث تجتمع العائلة في ما بعد لتذوقه. وتقول الخمسينية وفاء عرفات إن مشقة القطاف تنتهي مع أول تذوق للزيت.

وتضيف وفاء للجزيرة نت أن العائلات الفلسطينية درجت على أخذ كفايتها من الزيت لعام كامل، وتوزيع البقية على الأرحام والأقارب والأصدقاء، مؤكدة أن العناية بشجر الزيتون بفلسطين تتجاوز بكثير قيمته المادية، فهو أشبه بعنوان وسمة وطنية لتحدى محاولات الاقتلاع من الأرض والصمود في وجه الاحتلال.

المصدر : الجزيرة