قلقيلية.. استوائية فلسطين الزراعية

عاطف دغلس-قلقيلية

تحولت أراضي قلقيلية من أرض مقفرة إلى جنة ذات ثمار من كل صنف ولون، بعد أن ظلت سنوات طويلة معزولة خلف جدار الاحتلال العنصري، وزرعت بأشجار امتازت بها قلقيلية دون مدن الضفة الغربية.

بيديه كان المزارع الفلسطيني رامي الجدع (أربعون عاما) يزيل ما علق من أوساخ وشوائب وحشائش مضرة بمحيط أشجار الليتشي والكرومبولا والقشدة والمانجو وغيرها من أشجار الفاكهة الاستوائية داخل مزرعته بقرية حبلة قرب قلقيلية.

بذات اليدين أيضا كان الجدع يتفحص ثماره المتدلية من الأشجار التي بدت غريبة بالنسبة لنا كما الزوار للمزرعة، ويقول إنها التجربة الأولى له في زراعة بعض أشجار الفاكهة الاستوائية، لا سيما الكرومبولا والقشدة، لكنه تعلم شيئا فشيئا كيفية العناية بها.

الليتشي من الزراعات الاستوائية الجديدة في قلقيلية (الجزيرة نت)
الليتشي من الزراعات الاستوائية الجديدة في قلقيلية (الجزيرة نت)

التطور ومواكبة السوق بمنتجات جديدة دفعني لزراعة الاستوائيات وخوض التجربة، يقول المزارع الجدع، ويضيف أنه لم يترك الزراعات التقليدية كالخضار والحمضيات التي دأب عليها منذ سنوات طويلة، لكنه أراد التغيير والابتعاد عن النمطية بالزراعة، ودخول زراعات جديدة مثمرة ومنافسة.

تحد للاحتلال
والأهم من كل ذلك -في رأي الجدع- سعيه مع المزارعين لخلق بديل لمنتج يحتكره الاحتلال الإسرائيلي ويبيعه بأسعار خيالية للمستهلك الفلسطيني، ويواصل ممارساته بالتضييق على الزراعة الفلسطينية و"ضرب" المنتج المحلي بكل الطرق.

ثمانية أصناف من الفاكهة الاستوائية يزرعها الجدع في أرضه التي تزيد مساحتها على عشرة دونمات (الدونم يساوي ألف متر مربع)، تتباين في طريقة زراعتها وقطافها والعناية بها، وحتى في عمرها الزمني وفي أوقات طرح الثمار، وهو ما يُسهِّل على الرجل عملية التسويق وبأسعار معقولة تحقق ربحا جيدا وتشجعه على الاستمرار.

مزارع نموذجية في قلقيلية تنتج فواكه استوائية مختلفة(الجزيرة نت)
مزارع نموذجية في قلقيلية تنتج فواكه استوائية مختلفة(الجزيرة نت)

وتعد الجوافة والأفوكادو والمانجو من أهم المحاصيل الاستوائية في قلقيلية، ميّزتها من بين مدن الضفة الغربية، ودفعت وفرة الإنتاج بها للإقدام وبقوة على زراعات استوائية أخرى.

لكن ثمة ما يقلق الجدع، فمستوطنة ألفيه منشي الإسرائيلية تجثم بالقرب من أرضه، وخطر مصانعها يداهمه، وكذلك مستوطنات أخرى تحيط بالمدينة، فهو بالكاد انتزع أرضه من أيدي الاحتلال بعد أن أصدرت المحكمة الإسرائيلية قرارا بتعديل مسار الجدار العازل الذي كان يضم الأرض لداخله قبل ثلاث سنوات.

ويقول رئيس قسم البستنة بمديرية الزراعة في قلقيلية أيمن العالم إن العوامل المطلوبة لنجاح الزراعة الاستوائية، لا سيما درجة الحرارة والرطوبة ووفرة المياه، تتوفر لدى الجدع ومزارعين آخرين في مدينة قلقيلية وبعض قراها، ويضيف أن الاستوائيات وخلال موسم الشتاء لا تحتمل البرودة والصقيع وهو أيضا ما يتوفر بالمدينة.

مصانع مستوطنة ألفي منشي الإسرائيلية الجاثمة فوق أراضي الفلسطينيين بقرية حبلة تهدد مزارعهم (الجزيرة نت)
مصانع مستوطنة ألفي منشي الإسرائيلية الجاثمة فوق أراضي الفلسطينيين بقرية حبلة تهدد مزارعهم (الجزيرة نت)

ناجحة ومربحة
ويقول العالم، عن الجدوى الاقتصادية، إنها عامل آخر لتحفيز المزارعين؛ إذ يمكن للدونم الواحد من الأفوكادو أن يُدِر ربحا يصل لأكثر من ثلاثة آلاف دولار أميركي، ونحو ألفي دولار لدونم الجوافة، مضيفا أن الأنواع الأخرى تدر دخلا معقولا، لكنها لا تحظى بإقبال واسع مثل المنتجين السابقين.

ويؤكد العالم أن قلقيلية وقراها المحيطة تزرع نحو عشرة آلاف دونم من الأشجار الاستوائية، وأن إقبالا كبيرا تشهده هذه الزراعة، خاصة بعد تلقي المواطنين تدريبات وخبرات من وزارة الزراعة التي تتابعهم عن كثب وترفدهم باحتياجاتهم.

وإضافة إلى مردودها الاقتصادي، تتحدى الفاكهة الاستوائية في قلقيلية الاحتلال الإسرائيلي وسياساته الرامية إلى تدمير الزراعة الفلسطينية بأكملها، وتسعى لكسر احتكاره للسوق المحلية وبأسعار عالية.

العالم: قلقيلية المدينة الوحيدة التي تزرع وتنتج الفاكهة الاستوائية (الجزيرة نت)
العالم: قلقيلية المدينة الوحيدة التي تزرع وتنتج الفاكهة الاستوائية (الجزيرة نت)

ويطوِّق جدار الفصل العنصري المدينة بكاملها، ويعزل أكثر من ثلاثين ألف دونم من أراضيها خلفه، فيمنع دخول المواطنين لأراضيهم إلا بتصاريح خاصة لا يمنحها لمعظمهم، ويعيق حركة بضائعهم والسماح لهم بإدخال الأسمدة ومستلزمات الزراعة، كما يهدد الزحف الاستيطاني ما تبقى من أرض زراعية.

لكن المزارعين في قلقيلية ردوا على صلف الاحتلال وانتهاكاته بمنتجات عالية الجودة ومنافسة لنظيراتها الإسرائيلية في الجودة والسعر، ولاقت منتجاتهم قبولا بأسواق الضفة الغربية، لا سيما أن قلقيلية المدينة الوحيدة المنتجة لهذه المنتجات. 

المصدر : الجزيرة