الخرتية.. من ضرب ثوار "التحرير" لضريبة ركود السياحة
عبد الله حامد-القاهرة
على بوابات المناطق الأثرية الكبرى بمصر، تستقبل الزائر تحذيرات الشرطة من "الخرتية"، الذين يستوقفون الزوار من أجل خدمتهم في جولات سياحية بالمنطقة الأثرية.
و"الخرتية" اسم أُطلق على "الخيّالة والجمّالة" العاملين على الدواب بالمناطق الأثرية، الذين أقنعتهم قيادات الحزب الوطني المنحل بضرب الثوار في ميدان التحرير بالقاهرة عام 2011 فيما يعرف بموقعة الجمل الشهيرة، إنقاذا للسياحة.
وتشهد مؤشرات السياحة في مصر تدهورا غير مسبوق منذ انقلاب يوليو/تموز 2013، حيث انخفضت إيرادات السياحة بنسبة 40.5% مسجلة 3.3 مليارات دولار في الأشهر التسعة الأولى من 2016 طبقا لبيانات وزارة السياحة، وانعكس التدهور مباشرة على "الخرتية"، الذين شملتهم اتهامات ببيع قطع من أحجار أهرامات الجيزة.
بؤس
لكن واقع "الخرتية" الحالي يكشف عن بؤس بالغ، فيقترب ناصر وهو يجر حصانه قائلا بتوسل للزائر "أريد أن أطعم الحيوان".
يبدو الهزال على الحصان الذي تظهر عظامه، وهو يجر قدميه بصعوبة، ويلحظ صاحبه نظرات الإشفاق فيستطرد "لكنه قادر على أن يقلّك من الهرم الأول للثالث مقابل خمسين جنيها (أقل من ثلاثة دولارات)".
بتفاوض سريع ينخفض المبلغ إلى النصف، وسرعان ما يكتشف الزائر الخديعة، فالمسافة التي تبدو بعيدة يختصرها "الخرتي" عبر مسلك وعرٍ.
يحكي ناصر للجزيرة نت أنه "يعاني مع المصريين في التفاوض ليحصل على عُشر ما كان يدفعه السائح"، مضيفا بأسى "منها لله الثورة".
أما شعبان فهو ينقل زوار المنطقة الأثرية على الجمل، نافيا أن يكون قد اعتدى على ثوار التحرير في 2011 "كل ما في الأمر أنه قيل لنا إننا لو ذهبنا بالجمال والخيول -مصدر رزقنا الوحيد- للميدان لاستعطاف المعتصمين لفك الاعتصام، فسيرأفون بحالنا عندما يعلمون أن وقفتهم تلك وقف لحالنا" كما يقول.
ويتحدث "الخرتي" لغات عدة منذ طفولته، رغم أنه لا يقرأ ولا يكتب حتى العربية، فالأسر التي تعيش على حواف المنطقة تتوارث هذه المهنة، وتفضل الدفع بأبنائها للعمل بهذه المهنة على الالتحاق بالمدارس، فيتعلم اللغات بالاحتكاك بالأجانب.
ويقول مفتش آثار إن ما يكسبه الفرد من الخرتية في يوم يعادل مرتب طبيب في شهر، معتبرا أنهم يسيئون للسياحة "لأنهم مجرد مرتزقة يحاول موظفو أمن الآثار والشرطة تحجيم أثرهم السلبي".
يوصف الخرتي رسمياً بأنه "مرشد جوال لا يحمل رخصة" وعقوبته الغرامة بما لا يزيد عن 75 جنيها في حالة الإبلاغ عنه وضبطه متلبسا بمحاولة إزعاج السياح، بينما "تتركهم الشرطة كعيون لها في المناطق الأثرية المفتوحة حماية للسياح"، كما يضيف مفتش الآثار.
لكن أحمد الذي أتم شهادة متوسطة، يستأجر جملين ليسترزق منهما بالمنطقة الأثرية، ويقول للجزيرة نت إن "المتعلمين من الخرتية يسعون لإنشاء نقابة تجمعهم وتدافع عنهم، فعددنا بالآلاف".
ويتابع "يبدأ الخرتي مهامه بتتبع الزائر للمنطقة، ثم الدخول عليه بحرفية لا تلفت نظر الشرطة ولا تزعج السائح، وتنتهي باقتياده مشياً أو على الدواب في جولة".
وزير الآثار خالد العناني تحدث بدوره عن الخرتية واعتبرهم خلال اجتماعه بنواب البرلمان ضمن المظاهر السلبية بمنطقة الأهرامات، في حين كشف مدير منطقة آثار الهرم أشرف محيي الدين في تصريحات صحفية أن الوزارة بصدد وضع آلية تحكم ممارسات الخيالة والباعة الجائلين بما يضمن لهم كسب الرزق مع عدم إزعاج الزائر أو تهديد الأثر.