نساء مضايا يتحدّين الحصار بالعمل المدني

من نشاطات التعليم في مضايا المحاصرة
من أنشطة التعليم في مضايا المحاصرة (الجزيرة)

سلافة جبور-دمشق

مثّل الحصار والتجويع أبرز محاولات النظام السوري لقمع ملايين السوريين الثائرين ضده، إلا أن هذا لم يمنع ظهور مبادرات تتحدى الموت وتجسّد الصمود والرغبة في الحياة.

ولعلّ صور الحصار التي خرجت من مدينة مضايا الواقعة بريف دمشق الشمالي الغربي لم تحمل سوى ملامح الجوع والمرض والمعاناة بسبب الحصار المفروض عليها، الذي اشتدت وطأته منذ نحو عام، في حين أن الأعمال المدنية المتنوعة كان لها حضور بارز في المدينة، خاصة بقيادة النساء.

وعرفت منطقة الزبداني بريف العاصمة السورية، التي تتضمن عددا من المدن أبرزها الزبداني ومضايا وسرغايا، حراكا سلميا مدنيا مميزا منذ انطلاق الثورة السورية.

ورغم القصف والحصار والتهجير استمرّ عشرات الناشطين والناشطات في خدمة المجتمع، إيمانا بأهمية وجدوى عملهم.

وتقول حلا يوسف -وهي ناشطة تعمل في مضايا منذ أكثر من ثلاث سنوات- نحن نخلق شيئا من لا شيء، أصبحت لنا كلمتنا وحضورنا داخل وخارج منازلنا على حد سواء، وأنجزنا الكثير من الأعمال التي عجز الرجال عن القيام بها.

‪مهام النساء تنوعت منذ بدء النظام محاصرة مضايا‬ مهام النساء تنوعت منذ بدء النظام محاصرة مضايا (الجزيرة)
‪مهام النساء تنوعت منذ بدء النظام محاصرة مضايا‬ مهام النساء تنوعت منذ بدء النظام محاصرة مضايا (الجزيرة)

عنصر مهم
وترى حلا -وهي نازحة من مدينة الزبداني- في حديثها للجزيرة نت أن المرأة في مضايا استطاعت خلال السنوات الأخيرة فرض نفسها بوصفها عنصرا فاعلا لا يقل أهمية عن الرجل، بل ويفوقه قدرة في كثير من الأحيان.

وتضيف "منذ بداية فرض الحصار تنوّعت مهام النساء اللاتي عملن في شتى المجالات، من تعليم الأطفال وتقديم الدعم النفسي الاجتماعي لهم، إلى تمكين وتشغيل النساء، خاصة المعيلات لأسرهن، وصولاً للمجال الإغاثي الذي برزت الحاجة الماسة له في الأشهر الأخيرة مع اشتداد الحصار ونفاد معظم المواد الغذائية وظهور حالات مرضية خطيرة".

كما تؤكد حلا -وهي من مؤسِسات تجمع "ضمّة" للعمل المدني- الدور بالغ الأهمية الذي لعبته النساء في الحملات الإعلامية التي سلطت الضوء على حصار النظام وحزب الله للمنطقة، وأسهمت في إدخال المساعدات الإنسانية للمدينة مطلع العام الحالي، وذلك عن طريق التواصل المستمر مع كافة الجهات والمنظمات القادرة على فك الحصار.

مساعدات ومخاطر
وتضيف أن "هذه المساعدات لعبت دورا كبيرا في تجنيب مئات السكان خطر الموت جوعا ومرضا، إلا أنها آخذة بالنفاد، مما يهدد بعودة المجاعة مع انقطاع الطحين والسكر والملح، ووصول سعر كيلوغرام الخضار إلى أكثر من 15 دولاراً، والمواد الأخرى ما يزيد على خمسين دولارا".

وتؤكد حلا أن نساء الزبداني ومضايا أسسن بعملهن الجبار خلال السنوات الأخيرة لدور نسوي سوري قوي، خاصة أن مضايا تعد قرية لم تعرف الكثير من الانفتاح من قبل، وأشارت إلى أن تجمع "ضمّة" يضم اليوم أكثر من عشرين امرأة من مختلف المراحل العمرية.

‪بلدة مضايا تعاني جراء حصار النظام لكن ذلك لم يمنع نجاح العمل التطوعي‬ (الجزيرة)
‪بلدة مضايا تعاني جراء حصار النظام لكن ذلك لم يمنع نجاح العمل التطوعي‬ (الجزيرة)

حملات وجهود
بدورها، تتحدث منتهى عبد الرحمن -وهي ناشطة من مضايا- للجزيرة نت عن عملها المدني بالقول "عملت منذ بداية حصار المدينة على تأمين المواد الغذائية وإعداد وجبات طعام وتوزيعها بشكل خاص على الأطفال والنساء وكبار السن، ثم تحولت للعمل في مجال التعليم عن طريق تأسيس مشروع جليس طالب".

ويتابع هذا المشروع المتسربين دراسيا، ويعمل على تعويض الأطفال عما فاتهم من سنوات دراسية نتيجة الحصار، وقدّم خدماته لمئات الطلاب حتى اليوم.

ولم تكتف منتهى بذلك، بل انخرطت في مجال رفع وعي النساء في المنطقة بخصوص دور المرأة في النزاعات حول العالم، والتعريف بالمنظمات المدنية واختلافها عن التجمعات المسلحة، إضافة إلى مكافحة عمالة الأطفال وتجنيدهم.

كما عملت مع غيرها من النساء ضمن الحملات التي استهدفت إخراج مرضى السحايا من المدينة الشهر الحالي، وحملات أخرى تستهدف إدخال الكتب المدرسية وتسجيل الطلاب بشكل نظامي في المدارس السورية.

وتؤكد الناشطة أنها ستستمر في بذل كل جهودها للنهوض بالمرأة السورية؛ لتكون رائدة في بناء مستقبل البلاد من خلال العمل المدني، وتقول إن المرأة في الحصار هي العاملة والمربية، وهي رب الأسرة في ظل غياب كثير من الرجال بسبب الوفاة أو الاعتقال، وإذا كانت المرأة نصف المجتمع فهي اليوم اللبنة الأساسية لهذا المجتمع الذي مزقته الحرب.

المصدر : الجزيرة