المحرومون من التعليم بالصومال.. الأسباب والآثار

محمد نور مختار طفل يعمل ماسحا للأحذية في مقديشو ولم يلتحق بالمدرسة،23 إبريل/نيسان 2016
مختار يمسح أحذية المارة في مقديشو عوض أن ينتظم في فصول الدراسة (الجزيرة)

قاسم أحمد سهل-مقديشو

محمد نور مختار(9 أعوام) ماسح أحذية يتجول معظم ساعات النهار في شوارع وأزقة العاصمة الصومالية مقديشو، حاملا حقيبة صغيرة تحوي الأدوات اللازمة لمهنته، يطوف بكل زاوية عله يجد من يلمع له الحذاء مقابل بعض شلنات، ليعود بما يجنيه من عمله اليومي المقدر في أحسن الأحوال بما يعادل دولارين، وينفقه على أسرته التي تعيش فقرا مدقعا.

مختار أخذ قسطا يسيرا من التعليم القرآني في أحد الكتاتيب دون أن يدفع لمعلمه باستمرار، ولضيق ذات اليد لم تفكر أسرته في إلحاقه بالمدرسة، ذلك أن أباه يعمل بائع تذاكر في الحافلات، والمال القليل الذي يحصل عليه غير كاف لتغطية احتياجات الأسرة المعيشية، ناهيك عن تحمل نفقات التعليم الباهظة التي يتطلبها التعليم في المدارس الخاصة.

وفي ظل غياب فرصة الحصول على التعليم المجاني، لم يتمكن مختار من نيل حظه وحقه في التعليم، ليبقى همه الوحيد أن يكد ويتعب ليساهم في تجاوز الظروف الصعبة التي تعاني منها أسرته، ويحصّل لقمة العيش دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل تساعده في الانتقال من ظلام الجهل إلى نور العلم والتعليم.

‪آمنة: حرمان أعداد كبيرة من الأطفال من التعليم يلقي عبئا ثقيلا على الأسر‬ (الجزيرة)
‪آمنة: حرمان أعداد كبيرة من الأطفال من التعليم يلقي عبئا ثقيلا على الأسر‬ (الجزيرة)

مشاكل جمة
حالة مختار تنسحب على كثير من أطفال الصومال، إذ يصف تقرير لصندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) معدل الالتحاق بالمدرسة في الصومال بأسوأ المعدلات في العالم، حيث يناهز 40% من مجموع الذين بلغوا سن التعليم، أي أن 60% منهم -أي أكثر من أربعة ملايين طفل- لم يلتحقوا بالمدرسة، وهو مبعث قلق كبير ترتد آثاره السلبية على المجتمع.

وفي هذا الصدد، تقول رئيسة منظمة "أنقذوا نساء وأطفال الصومال" آمنة حاجي علمي إن فَقدَ عدد كبير من الأطفال حقهم في التعليم تترتب عليه مشاكل جمة تشكل عبئا ثقيلا على الأسر والمجتمع، ولا سيما في ظل الفقر ومعدلات البطالة المرتفعة. ومن بين نتائج هذا الأمر انفلات أولئك الأطفال من عقال الأسر، وتدهور أخلاقهم وسلوكياتهم، وسهولة استخدامهم للعنف والحرب والانضمام إلى العصابات الإجرامية.

وحسب المتحدثة فإنه ما لم يتم البحث عن حلول عاجلة تضع حدا لهذه المشاكل، وفي مقدمتها توفير التعليم المجاني بشكل أكبر في كل المناطق، وتحسين الظروف المعيشية والاقتصادية في البلاد، فإن المشاكل ستتفاقم وتتولد منها عواقب وخيمة تقود إلى ضياع أجيال كاملة كان يفترض أن تكون السواعد التي تبني الصومال.

‪حسن: تقصير الحكومة في توفير تعليم مجاني أفقد أطفالا كثيرين حقهم بالتعليم‬ (الجزيرة)
‪حسن: تقصير الحكومة في توفير تعليم مجاني أفقد أطفالا كثيرين حقهم بالتعليم‬ (الجزيرة)

ضعف الدخل
ويرجع مدير المركز الصومالي للتربية والبحوث عبد الشكور الشيخ حسن أسباب ضعف معدل الالتحاق بالمدرسة إلى أن أكثر المدارس التعليمية تتبع القطاع الخاص، وبما أن نسبة الفقر بحدود 82% ومتوسط دخل الفرد دولاران أو أقل يوميا، فإن كثيرا من الأسر لا تقدر على دفع رسوم التعليم في المدارس الخاصة.

ويضيف حسن في تصريح للجزيرة نت أن تقصير الحكومة الصومالية في توفير التعليم المجاني ووضع تخطيط وطني للسياسة التعليمية، علاوة على تدني الميزانية المخصصة للتعليم، كل ذلك أسهم بشكل كبير في فقد الكثير من أطفال الصومال حقهم في التعليم.

غير أن الوكيل العام لوزارة التعليم محمد عبد القادر يرى في حديث للجزيرة نت أن الحكومة لم تأل جهدا في توفير التعليم لأطفال الصومال بإمكاناتها المحدودة، مشيرا إلى أنها نجحت في تجهيز 74 مدرسة وتوظيف 1300 مدرس.

ويضيف عبد القادر أن الحكومة وفرت تعليما مجانيا لمئة ألف طفل ضمن حملة "اذهب إلى المدرسة"، وهي حملة تم إطلاقها عام 2013 بهدف توفير تعليم مجاني لمليون طفل في غضون ثلاث سنوات.

ضعف المخصصات
وبلغت الكلفة المالية لحملة "اذهب إلى المدرسة" 117 مليون دولار، وتم التعاون في تمويلها مع منظمات دولية ومنظمات التعليم الأهلي، واعتبر عبد القادر أن قلة ميزانية التعليم وضعف التمويل ونقص المعدات من أكبر التحديات، مشيرا إلى أن السياسة التعليمية التي كانت تمثل عائقا أمام تطوير التعليم جاهزة الآن، وقد اعتمدتها الحكومة وهي بانتظار موافقة البرلمان.

وتشير تقديرات غير رسمية إلى وجود قرابة ألفي مدرسة أساسية وثانوية في عموم الصومال ونحو نصف مليون تلميذ وطالب و16 ألف مدرس. وتقدر نسبة غير الأميين بـ37.8% فقط (50% تقريبا بين الرجال و25% بين النساء)، في حين تبلغ نسبة التسرب من التعليم نحو 30%.

المصدر : الجزيرة