طانا.. قرية تواجه الهدم الإسرائيلي المتكرر

عاطف دغلس-نابلس

يبدو أن الحاج الثمانيني محمد عبد الرازق (أبو نائل) أوفر حظا ولو قليلا من غيره في قرية طانا شرق مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، بعدما نجا الكهف الذي يقطنه من آلة الهدم الاسرائيلية التي طالت قريته أربع مرات متتاليات منذ بداية هذا العام، شملت منشآت سكنية من الصفيح وأخرى من الطين وثالثة لتربية المواشي وتخزين الأعلاف.

يقطن قرية طانا أكثر من أربعمئة نسمة يلاحقها الاحتلال الإسرائيلي بكل أدواته، ويتخذ من الهدم وسيلة مباشرة لتهجيرهم بمبررات مختلفة منها أنها ضمن مناطق "سي" وتخضع لسيطرته الأمنية، أو أنه يريد تحويلها لمكان تدريبات عسكرية.

الهدم والمصادرة
يريد الاحتلال ضم قرية طانا إلى المستوطنتين المحيطتين بها "مخورا وإيتمار" اللتين تصادران أكثر من ثلث مساحتها, وفق قول أبو نائل. فقد طال الهدم لا سيما الأخير (قبل أسبوعين) أكثر من 24 منشأة، وصودرت المركبات وصهاريج المياه، مشيرا إلى أنه سمع ضابطا يخبر زميله بأن مصادرة الصهاريج لن تدعهم يطيلون البقاء.

أبو نائل يقطن مع أسرته بكهف ويعتبر نفسه محظوظا لنجاته من الهدم الإسرائيلي (الجزيرة)
أبو نائل يقطن مع أسرته بكهف ويعتبر نفسه محظوظا لنجاته من الهدم الإسرائيلي (الجزيرة)

يَعدُ الرجل نفسه محصّنا من الهدم الإسرائيلي، ويقول وهو يشير للكهف الذي يقطنه مع أسرته المكونة من ستة أفراد، إنه محظوظ أكثر من غيره، فالهدم لم يصل مغارته بعد واقتصر على بوابتها الحجرية لأنه أضاف عليها الإسمنت، وهو ما يرفضه الاحتلال الذي يهدم أي بناء جديد بالقرية، ويبرر ذلك بحجج واهية منها أنه بدون ترخيص.

وطوال عشر سنوات من التدريس، ظل أستاذ القرية عبد اللطيف خطاطبة شاهدا حيا على جرائم الاحتلال بحق القرية ومدرستها التي هدمت أربع مرات متتالية، مما جعل معاناة التدريس وصعوبة التنقل ذهابا وإيابا كل يوم تهون أمام صلف الاحتلال وجوره.

وبعد الهدم الأخير للمدرسة، حوّل السكان مسجد قريتهم أو "بيت الشيخ" كما يسمونه لمدرسة، سيما وأنه المكان الأكثر أمنا ولم تطله جرّافات الاحتلال لاعتباره مبنى عثمانيا قديما.

ويتحمل خطاطبة وعشرة تلاميذ صعوبات عديدة لعدم وجود مرافق لها كدورات المياه أو المختبرات أو الفرش المطلوب، فالأهم برأيه الصمود ولو في العراء رفضا لمخططات الاحتلال الذي ضاعف معاناة الأهالي بأن صادر ممتلكاتهم الخاصة. وطالت يد المستوطنين المواشي والمواطنين أنفسهم، مما اضطر الكثير منهم للجوء للكهوف والمغارات للعيش بها، فهناك أكثر من 25 ألف رأس من الغنم تحتاج لمأوى.

‪‬ عبد اللطيف خطاطبة أستاذ القرية يدرس تلاميذه بالمسجد بعد هدم الاحتلال للمدرسة (الجزيرة)
‪‬ عبد اللطيف خطاطبة أستاذ القرية يدرس تلاميذه بالمسجد بعد هدم الاحتلال للمدرسة (الجزيرة)

ويقول رئيس بلدية بيت فوريك -التي تتبع لها طانا- عارف حنني إنه بعد كل هدم تتم إعادة البناء وتقدم المساعدات للأهالي والسعي بكل الوسائل والطرق لتثبيتهم على أرضهم، مضيفا أنهم يتجهون لتعمير الكهوف والمغارات للمواطنين بعد أن أصبحت أكثر أمنا من الخيم وبيوت الصفيح التي يطولها الهدم دوما، وأن هذا يدعم صمود السكان أمام مضايقات الاحتلال.

ويسيطر الاحتلال إسرائيلي على نحو نصف مساحة طانا البالغة 18 ألف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع) لكنها تخضع فعليا وكليا لسيطرتها عبر تصنيفها ضمن مناطق "سي" وتكتم على أنفاس ساكنيها.

مخطط متكامل
يرى المسؤول بمركز أبحاث الأراضي بمدينة نابلس محمود الصيفي أن الاحتلال يريد تهجير السكان عن المنطقة، وأن الخطر يكمن إذا ما نجح بذلك فعلا فهناك عشرات القرى الصغيرة والخرب المشابهة لطانا والقريبة منها في السفوح الشرقية للضفة الغربية تواجه ذات المصير وفق مخطط كامل.

‪‬  الهدم طال كل ما اعتبره الاحتلال بناء جديدا بقرية طانا(الجزيرة)
‪‬  الهدم طال كل ما اعتبره الاحتلال بناء جديدا بقرية طانا(الجزيرة)

وتحدث الصيفي عن هدم القرية أربع مرات خلال 58 يوما منذ بداية العام الجاري، وأكد أن الاحتلال بدأ يكشر عن أنيابه لابتلاع طانا وأمثالها وتطهيرها عرقيا، موضحا أن المطلوب هو توفير وسائل البقاء للسكان كمناطق الرعي وترميم الكهوف وتقديم الخدمات العامة من ماء وكهرباء في ظل عجز الدعم السياسي لهذه المناطق.

وتشير تقارير إحصائيات عديدة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي هدم منذ بداية العام الجاري أكثر من 520 منشأة فلسطينية بين منازل سكنية وأخرى خاصة بالزراعة وتربية المواشي، وكانت نابلس من أعلى المناطق، حيث وصل الهدم بها لنحو ثمانين منشأة.

المصدر : الجزيرة