نساء غامبيا.. كفاح مرير لإعالة أسرهن

نساء في مزرعة قرية لامين الجماعية غامبيا
نساء يعملن في مزرعة جماعية بقرية لامين جنوب العاصمة الغامبية بانجول (الجزيرة نت)

أحمد الأمين- بانجول

تحمل "ناني نايري" على ظهرها همّ تسعة من الأولاد، وسبعة عقود من الزمن، وفي قلبها تدفن آمالا حطمها الفقر، وعشرات السنين من الكد والسعي وراء لقمة عيش، وحياة تأبى إلا أن تظل قاسية.

في ثوبها البالي وتجاعيد وجهها، وخشونة يديها وقدميها الحافيتين، وعرقها المتصبب تحت لهيب الشمس في المزرعة النسوية الجماعية بقرية لامين (جنوب العاصمة الغامبية بانجول)، تقرأ أسفارا من المعاناة، ورحلة كدّ عاشتها هذه السبعينية الأمية المصابرة لتعليم أبنائها.

يثير محراثها الصغير غبارا حين يلامس الأرض التي تهيئها للزراعة، وقد فعلت السنوات فعلها في جسد "ناني"، لكن إرادتها أقوى من الزمن، فهي تعمل ست ساعات يوميا لتحصل نهاية الشهر على نحو 11 دولارا في غير موسم الحصاد.

يدهشك المشهد وأنت ترى إصرارها على تقليب الأرض بمحراثها الصغير؛ لا تكاد ترفع بصرها، ولا تتوقف إلا عندما تنقل المحراث من يد إلى أخرى، أو لتزيل ما يعترضها من عيدان وأعشاب ضارة، ورغم ذلك لا تشعر كثيرا بالتعب "لأن الهدف يهون في سبيله كل شيء"، حسب تعبيرها.

‪خديجة تورى تعمل مع ناني نايري في مزرعة لامين الجماعية‬ (الجزيرة نت)
‪خديجة تورى تعمل مع ناني نايري في مزرعة لامين الجماعية‬ (الجزيرة نت)

لقمة العيش
هدف ناني الذي يهون كل شيء في سبيل تحقيقه هو دراسة أبنائها، فهي كما قالت للجزيرة نت تنفق مما تجنيه على "مصاريف تعليم الأولاد، وتأمين عيشهم وعيش بقية أفراد الأسرة".

وغير بعيد عن ناني، وفي المزرعة نفسها، تصارع خديجة تورى بدورها هموم الحياة؛ تضع طفلها الرضيع على صدرها وتمسكه بإحدى يديها وتقبل على إزالة الأعشاب الضارة من مربع الخضراوات الذي تعول على محصولها في توفير لقمة عيشها وتأمين غذاء طفلها.

تتأمل خديجة ذات العقود الثلاثة الأثر السيئ لهذه الأعشاب على المزروعات، في مشهد يحيل المرء إلى واقع حياة الغامبيين المليئة بنباتات ضارة، ربما تتمنى خديجة اجتثاثها من الحقل السياسي في هذا البلد.

ورغم صعوبة الظروف ومحدودية الإمكانيات استطاعت "ناني" و"خديجة" و180 امرأة أخرى في التعاونية النسائية بقرية لامين تحويل الأرض الجرداء لمربعات خضراء، ووفرن احتياجات القرية من الخضار، ويجنين دخلا قد يكون بسيطا لكنه يساعد في هموم الحياة.

"ناني" و"خديجة" نموذج لمئات الآلاف من النساء الغامبيات اللائي فرضت عليهن الحياة شروطها، فاضطررن للعمل في الحقول والأسواق، وفي كل مناحي الحياة، لكن بعضهن فرض شروطه على الحياة، فحقق نجاحات باهرة لا في غامبيا فحسب، وإنما في العالم كذلك.

‪ممادو مصطفى قال إن المرأة الغامبية تسهم بنسبة الثلث تقريبا في قطاع الزراعة‬ (الجزيرة نت)
‪ممادو مصطفى قال إن المرأة الغامبية تسهم بنسبة الثلث تقريبا في قطاع الزراعة‬ (الجزيرة نت)

عنصر فاعل
وبفعل حيويتها وصبرها "أصبحت المرأة الغامبية فاعلة في المجتمع ورقما يصعب تجاوزه، حيث تسهم في الإنتاج، وتؤثر في الاقتصاد، وتشارك بفعالية في التغيير"، حسب ما يقوله أنسا أستاذ التاريخ وعلم الاجتماع في جامعة غامبيا.

ويقول أنسا للجزيرة نت إن "المرأة الغامبية اليوم تقوم بأدوار ريادية في المجتمع، حيث تسهم في النشاط الاقتصادي، وتتحمل مسؤوليات البيت، وتأثيرها بات أقوى من تأثير الرجل، وهذا ما تؤكده فاعليتها في مختلف المجالات، وأثبتته الانتخابات الأخيرة التي كان دور المرأة فيها حاسما، تعبئة وتصويتا".

ويضيف أن "من الملفت أن المجتمع الغامبي التقليدي كان يضع الكثير من العراقيل في وجه المرأة بحجج دينية أحيانا، وبذرائع الأعراف أحيانا أخرى، إلا أن المرأة استطاعت تجاوز هذا الواقع بقوة إرادتها وجدارتها الميدانية".

وعلى مستوى الإنتاجية، يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة غامبيا ممادو مصطفى فاني إن "دور المرأة محوري جدا فهي تمثل 30% من القوى الناشطة في قطاع الزراعة، الذي يعدّ قطاعا حيويا في اقتصاد البلاد".

غير أن فاني يؤكد في حديث للجزيرة نت أن "المرأة المزارعة بحاجة إلى دعم ومساندة، خاصة في مجال التمويل، حيث يتعذر حصولها على القروض والمعونات، وذلك يؤثر سلبا على تطوير نشاطها".

المصدر : الجزيرة