المناطق الأمنية بمصر تعيد النوبة للمربع الأول
دعاء عبد اللطيف-القاهرة
وحدد القرار مساحات مناطق متاخمة للحدود، تقدر بـ 25 كيلومترا غرب البحيرة، و110 كيلومترات شرق بحيرة ناصر جنوبي البلاد، وهي تقدر بنصف المساحة التي يطالب النوبيون بالعودة إليها بعد تهجيرهم قسريا منها أعوام 1902 و1912 و1933 و1964 بسبب بناء سدود مائية أدت إلى ارتفاع مناسيب نهر النيل وغرق قراهم البالغ عددها 44 قرية.
وكان النوبيون انتقلوا إلى مناطق بديلة عن قراهم في منطقة نصر النوبة التي تبعد نحو سبعين كيلو مترا شمال شرق مدينة أسوان جنوبي البلاد، بينما استقر البعض على سفوح الجبال، فضلا عن عشرات الآلاف الذين قرروا الهجرة إلى العاصمة أو خارج الدولة بحثا عن فرص عمل بعدما توقفت الزراعة بسبب غرق الأراضي النوبية.
مخالف للدستور
واعتبر رئيس الاتحاد النوبي العام محمود عزمي قرار إعادة ترسيم المناطق المتاخمة للحدود بالتعسفي والمخالف لنص المادة 236 من الدستور المصري، والتي تلزم الدولة بتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات.
وقال للجزيرة نت إن نواب البرلمان لم يقوموا بمهمتهم الأساسية في التشريع، ووافقوا على القرار الرئاسي دون حتى بذل جهد في قراءته، موضحا رفع نوبيين دعاوى قضائية أمام مجلس الدولة -وهي جهة محكمة قضائية- قبل عام اعتراضا على القرار الجمهوري.
وأشار عزمي إلى استمرار النوبيين في مسارهم القانوني إلى جانب تنظيم وقفات احتجاجية الأسبوع القادم في أسوان والقاهرة إلى جانب التفاعل لخدمة القضية النوبية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وإذا لم تؤت تلك السبل ثمارها في عودة أراضي النوبيين، سيكون تدويل القضية هو الخيار التالي، وفق رئيس الاتحاد النوبي.
أكثر يأسا
في المقابل، بدا الناشط النوبي هشام عبد الحميد أكثر يأسا بعد تمرير ترسيم الحدود، إذ اعتبره يقضي على حلم العودة إلى أرض النوبة القديمة، مشيرا إلى أن الكيلومترات المسموح بها في القرار الجديد لا تقع على شط بحيرة ناصر بل في الصحراء التي يستحيل أن يقبل أي نوبي بالسكن فيها.
وأرجع في حديثه للجزيرة نت ركود ملف النوبة على المستوى الشعبي والرسمي إلى انشقاق القيادات النوبية فيما بينها، موضحا أن الشباب منهم يفضلون الحصول على تعويضات مادية وتوفير فرص عمل وضخ استثمارات في أراضي التهجير، بينما يحبذ الكبار ضرورة العودة إلى قراهم القديمة.
وقال عبد الحميد إن "الجيل الجديد من الشباب لم يولد في النوبة القديمة، لذا حنينهم أقل لها مقارنة بالكبار الذين عايشوا مرارة التهجير" مشيرا إلى أن الشباب ذاقوا تهجيرا قسريا من نوع آخر يتمثل في سفرهم إلى شمال البلاد أو خارجها للبحث عن فرص عمل.
المربع الأول
من جهته، اعتبر رئيس الجمعية المصرية للمحامين منير بشير موافقة مجلس النواب على القرار بمثابة اغتيال لحقوق النوبيين وإعادة قضيتهم للمربع الأول.
وأضاف في تصريح صحفي أن القرار يتعارض مع نص المادة 62 من الدستور، والخاصة بحرية التنقل والمادة 63 التي تمنع التهجير القسري والتعسفي للمواطنين. وتساءل مستنكرا "ما دور الدستور المصري الذي تم الاستفتاء عليه ما دامت الدولة تسن قوانين تتعارض مع الدستور؟".
يُذكر أن الموافقة على ذلك القرار وغيره من التشريعات -التي أصدرها رؤساء دون سلطة تشريعية- تمت وسط أجواء متسرعة لمجرد تفادي حل البرلمان، إذ حدد الدستور مدة 15 يوما فقط لمناقشة كل القوانين والقرارات الرئاسية، وفق قول المحلل السياسي أسامة الهتيمي.
وأكد الهتيمي للجزيرة نت أن تلك المدة القصيرة أدت بنواب البرلمان إلى تمرير قوانين دون دراسة جادة رغم ما تحمله من مصائر لفئات وقطاعات شعبية.
وأشار إلى أسباب أخرى لتمرير القانون بأريحية، وفي مقدمتها كونه يتعلق بشريحة مجتمعية لا تملك أدوات ضغط إعلامي كبير، فضلا عن محدوديتها عرقيا وجغرافيا إلى جانب تباين الموقف النوبي من التشريع الخاص بهم.
وتوقع الهتيمي أن صدور أي قانون دون حوار مجتمعي حقيقي خاصة مع الأطراف المعنية به سيثير حالة من البلبلة خاصة مع النوبيين الذين يستشعرون الظلم منذ عقود، داعيا إلى ضرورة احتواء هذه الفئة والتواصل الدائم معها لتحقيق ولو الحد الأدنى من تطلعاتهم.