عرفات.. دموع التائبين على سفح جبل الرحمة

أمين محمد حبلا-عرفات

يقف جبل الرحمة بعرفات شامخا في الأفق كأن قامته الفارعة قد تسامقت أكثر من أي وقت مضى. هنا تُحط الذنوب ويعود المرء كيوم ولدته أمه نظيفا من أدران الذنوب وأوساخ الخطايا.

هنا يسفح الحجاج عبَرات التوبة، لا تسمع غير النشيج والبكاء، ولا ترى غير الأيدي المرتفعة إلى رب السماء، وكأنها تجتذب حبل الغفران من الأفق وتتعلق بأستار الغيب استمطارا لتوبة من الله تمحو ما أسلفت أيدي الغفلات.

ولهذا الجبل مكانة عظيمة في تاريخ الحج، فقد وقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو غير بعيد عن مسجد نمرة في صعيد عرفات، ويبعد نحو عشرين كيلومترا عن مكة.

ولئن كان صعود الجبل نفسه غير واجب، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم متحدثا عنه "وقفت ها هنا، وعرفة كلها موقف"؛ فإن الكثير من الحجاج يحرصون -رغم الجهد والمشقة- على صعوده اقتداء بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

دعاء وبكاء وأمل حال الحجيج على جبل الرحمة (الجزيرة)
دعاء وبكاء وأمل حال الحجيج على جبل الرحمة (الجزيرة)

الحجاج بعرفات
بكاء ودموع وانكسار وضعف ويقين وأمل، هي حالة ضيوف الرحمن وهم يؤدون اليوم ركن الحج الأعظم، وقوفا على صعيد عرفات الطاهر، في ثاني أيام الحج.

حين وصلنا في الصباح الباكر إلى جبل الرحمة، كان آلاف من الحجيج تسلقوا قمة الجبل، وكانت الطرقات المؤدية إليه تضج بأصوات التلبية والدعاء، وأنين التضرع إلى ربهم ورجاء رحمته ومخافة عذابه.

وخشعت الأبصار وامتدت الأعناق شاخصة إلى رب العباد، في أعظم أيام السنة، حيث تتنزل الرحمات، ويباهي الله ملائكته بحجيجه وهم يفدون إليه من كل فج عميق.

وامتزجت الدموع وهي تحفر أخاديدها في وجوه الحجيج مع لهج الألسنة بالدعاء والتضرع، كما تنوعت الأهداف والمرامي بين من يدعو لنفسه وأهله، ومن يحمل هموم شعوب وأوطان منكوبة إلى عرفات.

الحاج الباكستاني عبد الله بي يقول للجزيرة نت -وهو يجهش ببكاء يقطع نياط القلوب- إنه دعا الله أن يسامحه ويغفر له الأخطاء التي ارتكبها في حياته.. وأضاف والدموع تنهمر من عينيه دعوت الله أيضا أن يرزق جميع المسلمين أداء فريضة الحج.

المسلمون يقفون على جبل الرحمة بعرفات في ثاني أيام الحج (الجزيرة)
المسلمون يقفون على جبل الرحمة بعرفات في ثاني أيام الحج (الجزيرة)

دعوات مختلفة
أما الحاج المصري أحمد منصور فيؤكد -والتأثر العميق باد على وجهه- أنه اليوم في عالم آخر، يشعر أنه انقطع عن الدنيا، واقترب من الله، ويضيف أن "المشهد تعبير مصغر عن مشهد الحشر الأعظم.

"دعوت للأمة جميعا"، يتابع منصور، ولكنه دعا خصيصا "أن يرفع الظلم الحاصل في مصر، ويفك أسرى سجنائها ويصرف عنها الظالمين".

أما المغربية فتيحة آحريق، فآثرت أن تعطي النصيب الأكبر من دعائها لوقف الحروب في الدول العربية والإسلامية، وأن يقي بلادها من عدوى تلك الحروب والصراعات الدموية المدمرة.

واللافت أن آخرين استغرقهم المشهد تماما، ولا يريدون أن يقطع أحد عليهم الدعاء والأجواء الربانية التي يسبحون فيها، فرفضوا التصريح أو الإدلاء بأي عبارة، وظلت عيونهم مركزة على الأفق تمطر الدمع الغزير، بينما الأكف مشرعة إلى السماء تستمطر رحمة الله وتوبته.

وللآخرين مآرب أخرى، فقد أخذ منهم توثيق اللحظات جزءا من الوقت الثمين، فصورا أنفسهم كما التقطوا بعض المقاطع والصور الجميلة والمؤثرة للداعين والمتجولين في فجاج عرفات.

المصدر : الجزيرة