إفطار في غزة على أطلال المنازل

أحمد فياض-غزة

تأبى أجواء العيد أن تشق طريقها إلى قلب المشرد أسعد الشامي وعائلته، حيث يستذكرون في هذه الأيام الذكرى الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فهم لا يزالون يعيشون على أنقاض منزلهم المدمر في حي الزنة جنوب شرق القطاع.

الشامي الذي كان يحضر مع زوجته وأولاده "مائدة الإفطار" التي هي عبارة عن حصيرة وما تيسر من طعام بسيط، إضافة إلى أغصان أشجار لإشعال النار وإعداد الشاي.

يأس وإحباط
وشاركت الجزيرة نت العائلة تناول طعام الإفطار، لنتفاجأ بحجم اليأس والإحباط من الحياة الذي حمله حديث الرجل، فلم يغب عن كلامه تعبيرات مثل "غزة ميتة"، "وين نروح"، "حسبي الله ونعم الوكيل"، "لا أمل في الحياة"، وغيرها من التعبيرات الانفعالية التي تؤكد أن الانعكاسات النفسية السيئة قد بلغت من الرجل مبلغها.

أسعد الشامي يستعد لتناول طعام الإفطار مع عائلته على أطلال منزله المدمر في غزة (الجزيرة)
أسعد الشامي يستعد لتناول طعام الإفطار مع عائلته على أطلال منزله المدمر في غزة (الجزيرة)

الشامي وهو في بداية العقد السابع من عمره يسترجع الذاكرة عن أحواله بعد مضي عام على العدوان وقلبه يعتصر ألما على فراق الولد وأوضاعه الحياتية المتردية في ظل نكوص عن وعود إعادة الإعمار وضنك الحياة التي ترهق كاهله المثقل بالتفكير الدائم في ضياع المال وصعوبة إعادة بناء ما دمره الاحتلال بعد أن بلغ من العمر عتيا.

ويقول إن هول ما شاهده خلال العدوان الإسرائيلي في شهر رمضان الماضي لا يمكن أن يُمحى من ذاكراته، متسائلا: "كيف أنسى أنني جمعت أشلاء ابني وابن أخي اللذين استشهدا وهما صائمان على أعتاب المنزل الذي أقف اليوم على أطلاله".

ويضيف الرجل أن هذه الأيام أعادت إلى ذاكرته أقسى فترة عاشها خلال عقود حياته السبعة التي أمضى منها نحو عقدين متنقلا بكده بين السعودية وليبيا والجزائر في سبيل بناء منزله الذي يجلس اليوم على بعض من أطلاله.

الشامي كان يتحدث بيأس وإحباط عن المستقبل (الجزيرة)
الشامي كان يتحدث بيأس وإحباط عن المستقبل (الجزيرة)

ألم وحسرة
وتابع أن "كل شيء من حولي يذكرني بهول أفظع أيام عشتها في حياتي، فلا زلت أذكر تهاوي البشر والحجر والشجر تحت وابل نيران القذائف والصواريخ الإسرائيلية المتساقطة على المنطقة من كل حدب وصوب".

ويصف الشامي ذكرى مرور عام على العدوان بأنها أسوأ من العدوان ذاته، لأن "بقاء الحصار وآثار الدمار وفشل جهود إعادة الإعمار تجعل المرء على موعد متجدد مع الألم والحسرة في كل لحظة وحين".

ولعل أصعب المواقف التي تهز الشامي وتحز في نفسه أنه لم يعد يتحلق هو وأولاده وزوجاتهم وأحفاده على مائدة الإفطار داخل باحة المنزل كما جرت العادة في الأعوام السابقة، لأنهم يقطنون في مساكن مستأجرة بعيدا عن الحي الذي به المنزل المدمر.

ويعزو الشامي أسباب عدم دعوته أبناءه وبناته وأخواته لتناول طعام الإفطار إلى تناوله وعائلته الإفطار على أنقاض منزله هربا من الكوخ الخشبي الصغير المسقوف بالصفيح الذي تلتهب داخله درجة الحرارة كلما اشتد سطوع الشمس.

وينظر الشامي إلى المستقبل بأسى، ويرى "أن مكمن الحل ليس فقط في إعادة إعمار آلاف المنازل المدمرة، بل في رفع الحصار وفتح الحدود أمام أبناء غزة للعمل والتنقل، متوقعا اندلاع حرب جديدة إذا استمر حصار غزة ومنع شبابها من العمل وحرية الحركة".

المصدر : الجزيرة