تحولات جديدة في الخارطة السياسية السودانية
عماد عبد الهادي-الخرطوم
أدى الاستقطاب الحاد في المسرح السياسي السوداني إلى ظهور تشكيلات وتحالفات جديدة تتجاوز التقسيمات السابقة، ممثلة في كتلة المعارضة بأحزابها المعروفة، وكتلة الحكومة التي يمثلها حزب المؤتمر الوطني الحاكم ومناصروه.
وفي الوقت الذي اقتربت أحزاب معارضة من التوافق مع المؤتمر الوطني في خطوة لم تكن متوقعة من قبل، فتح الأخير أبواب المشاركة في الحكومة واسعة أمامها تلبية لذلك الاقتراب، مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) الذي كان يترأس زعيمه محمد عثمان الميرغني تحالف قوى المعارضة.
وفي المقابل انتقلت مجموعات لم تكن محل خلاف مع الحكومة إلى صف المعارضة، كأقوى داعم لها في مرحلة جديدة بدأت أطرها الحديثة تتشكل.
فقد بدت خطوات حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الدكتور حسن الترابي الذي كان يصر إلى وقت قريب على إسقاط الحكومة، أكثر تسارعا نحو العودة إلى المؤتمر الوطني، الذي خرج منه في خلاف شهير قسّم الحركة الإسلامية إلى نصفين نهاية تسعينيات القرن الماضي.
ولم يتوان الحزب الاتحادي الديمقراطي عن الخروج من صف المعارضة والقبول بشراكة مع الحزب الحاكم، مقابل بعض الحقائب الوزارية في الحكومة.
تيارات إسلامية
ومع انتقال الحزبين -الشعبي والاتحادي الديمقراطي- إلى تجمع المؤتمر الوطني، وجدت تيارات إسلامية مثل حزب حركة "الإصلاح الآن" التي انشقت مؤخرا عن الحزب الحاكم، ومنبر السلام العادل، وجماعة "السائحون"، نفسها أكثر قربا من تجمع المعارضة لتبنيها رؤى مخالفة لمسلك الحزب الحاكم.
وعبرت حركة "الإصلاح الآن" عن موقف المجموعة الجديدة باتهامها الحزب الحاكم بتجيير الحوار الوطني لمصلحته. واعتبرت -حسب رئيسها غازي صلاح الدين الذي كان يتحدث للصحفيين- أن ذلك سيقود إلى تشكيلات واتفاقيات ثنائية من نوع آخر.
كما اعتبرت جماعة "السائحون" التي تتشكل من "مجاهدين" سابقين في صفوف المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، أن تقاربها مع المتمردين "يؤكد قناعتها بأن حل الأزمة السودانية لن يتم إلا عبر الحوار الوطني الجاد".
أما منبر السلام العادل الذي يقوده الطيب مصطفى خال الرئيس عمر البشير والذي كان يمثل الكتلة الشمالية الداعمة والمطالبة بانفصال جنوب السودان، فيتهم المؤتمر الوطني بسوق البلاد إلى الكارثة بطريقته التي وصفها بالاستقطابية.
ويصف مصطفى في حديث للجزيرة نت آلية الحوار الوطني بأحزابها المختلفة، بأنها "مجموعة تابعة للحزب الحاكم يقودها المؤتمر الشعبي الذي يتجه نحو الانغماس في جلباب الوطني".
حوار المساومة
أما تحالف قوى المعارضة الذي أعلن صراحة بداية تشكل جديد بعد المناداة بإعادة هيكلته، فيقول إنه يرفض حوار المساومة والاستقطاب الذي يطرحه النظام وفق منهجه القديم.
وأعلن التحالف في بيان له الاثنين -تلقت الجزيرة نت نسخة منه- أن خياره الأوحد أصبح الآن الانتفاضة الشعبية التي تؤدي في النهاية إلى إسقاط النظام، كاشفا أنه يعمل لبناء جبهة سياسية ومجتمعية واسعة لأجل مرحلة جديدة.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي تاج السر مكي أن ما حدث من تغيرات في المنطقة أجبر القوى السياسية السودانية على تغيير مفاهيمها نحو الحل في البلاد، مشيرا إلى أن تلك التغيرات دفعت المؤتمر الشعبي إلى التفكير في العودة لقيادة الحركة الإسلامية من جديد.
لكن مكي يرى أن ذلك "لن يتحقق بعد خروج حركة الإصلاح الآن ومنبر السلام العادل وجماعات أخرى لتكوين أجسام موازية وبرؤى مختلفة".
ويعتقد في تعليقه للجزيرة نت أن المعارضة التقليدية نفسها بدأت تبحث وتعبر عن رؤى جديدة تخالف الصورة النمطية التي عرفت بها، مشيرا إلى أن السودان "يمر الآن بمرحلة انتقالية صامتة".
ولا يستبعد مكي أن تؤدي التشكيلات الجديدة إلى نوع من الفوضى التي ستقود إلى واقع أخطر "بسبب ما تحمله ذات التشكيلات من رؤى حادة".
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخرطوم بابكر محمد الحسن فيرى أن العملية "كأنها فرز أكوام بين تيارات مختلفة حول كيفية معالجة الأزمة السودانية".
ويقول محمد الحسن للجزيرة نت إن ما أسماه تمايز الصفوف "سيقود فعليا إلى تشكيلات وتكتلات جديدة غير متوقعة"، متوقعا في الوقت ذاته أن ذلك ربما يقود البلاد إلى مواجهة لن تقف عند حدود المتمردين في مواجهة الحكومة فقط.