مدارس إسرائيل.. احتلال ذاكرة الطلبة العرب

د. جوني منصور مع طلابه خلال جولة في رحاب حيفا الفلسطينية
جوني منصور مع طلابه في جولة في مدينة حيفا الفلسطينية للإبقاء على الذاكرة حية (الجزيرة)

وديع عواودة-حيفا

تتصاعد احتجاجات فلسطينيي الداخل على محاولات إسرائيل احتلال الذاكرة الفلسطينية، ومنها حرمان وزارة التربية والتعليم في إسرائيل المدارس العربية من تدريس الرواية الفلسطينية للنكبة، وفرض دروس حول الهولوكوست كما يروجها الاحتلال.

وتأتي سياسة التعليم الإسرائيلية ضمن خطة "في سبل الذاكرة" التي بدأ الاحتلال تطبيقها في المدارس اليهودية، وسيشرع الأسبوع القادم بتطبيقها في المدارس العربية بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية بعدما طبقت في المرحلة الثانوية.

وتقضي المضامين الجديدة بتعليم شهادات الناجين من المحرقة ممن يرون بالكلمة والصورة والصوت عذاباتهم في معسكرات النازية.

وسيلزم طلاب فلسطينيي الداخل (17% من مجموع الطلاب) بتعلم مصطلحات خاصة بتاريخ اليهود، وتبرزهم كضحية تستدر العطف مثل "الإبادة" و"معسكر تركيز" و"تجارب طبية" و"ضحية".

كما تشمل الخطة الإسرائيلية الجديدة بعثات طلابية لمعسكرات التركيز النازية في وارسو ومدن بولندية أخرى من أجل "التماثل مع البشر المعذّبين الملاحقين" وفق ما جاء في شروحات الوزارة.

‪‬ حيادري: تصعيد سافر في سياسة الأسرلة والتدجين الممنهجة في التعليم(الجزيرة)
‪‬ حيادري: تصعيد سافر في سياسة الأسرلة والتدجين الممنهجة في التعليم(الجزيرة)

اليهودي الضحية
لكن رئيس لجنة متابعة التعليم العربي في إسرائيل المربي محمد حيادري يعتبر هذه الإجراءات الجديدة تصعيدا سافرا في عمليات الأسرلة والتدجين الممنهجة من قبل وزارة التعليم في إسرائيل منذ 1948.

ويؤكد حيادري رفضه للمشروع الجديد، ويقول إنه شرع بسلسلة اتصالات ومشاورات مع فعاليات ثقافية وسياسية لوقفه، محذرا من تجاوب بعض المسؤولين العرب في سلك التعليم مع الخطة الجديدة.

ويدعو لتعليم الطلاب اليهود تاريخ العرب والرواية التاريخية الفلسطينية التي يحرم منها الطلاب العرب الفلسطينيون أيضا. معتبرا ذلك "انتهاكا لحقهم المدني والقومي الأساسي بتعلمها بصفتهم أقلية قومية وفق القانون الدولي".

ويعكس موقف حيادري موقف طبقات المثقفين والسياسيين الفلسطينيين في إسرائيل ممن لا يعارضون تعلم المحرقة في المدارس العربية بموازاة تعليم الرواية التاريخية الفلسطينية للطلاب العرب واليهود أيضا.

تعليم النكبة
ويوضح المؤرخ والمربي د. جوني منصور للجزيرة نت أنه لا يعارض تعليم الكارثة إبان الحرب العالمية الثانية لليهود ولغير اليهود من الشعوب الأخرى على يد المجرم النازي.

لكنه يرفض التعامل مع الحدث التاريخي "من باب إثارة العواطف والشفقة واعتبار اليهود الضحية الوحيدة، ولا توجد مجازر أو مذابح أخرى رهيبة ارتكبت بحق الروس والبولونيين واليونانيين".

ويتساءل منصور في حديثه للجزيرة نت "كيف يستطيع المعلم العربي التعامل مع المحرقة أمام طلابه وسط تجاهل للنكبة بكونها جريمة نكراء وعمليات تطهير عرقي لشعب كامل، وبطرق إجرامية تكشف عنها أرشيفات من اقترفها؟".

ويتابع "قد تدعي الوزارة أنه لا علاقة بما حصل في أوروبا لليهود وما حصل للفلسطينيين عام 1948، وهذا موضوعيا صحيح، لكن الذين هربوا من براثن النازية قاموا بجريمة أدت إلى النكبة، ولذا فإنه بالحالة الفلسطينية هناك ربط قوي ومتين بينهما".

منصور: كيف يمكن للمعلم العربي تدريس المحرقة وتجاهل النكبة كجريمة؟(الجزيرة)
منصور: كيف يمكن للمعلم العربي تدريس المحرقة وتجاهل النكبة كجريمة؟(الجزيرة)

القانون الدولي
ويتفق أستاذ التاريخ المتقاعد سعيد برغوثي مع منصور بحتمية الربط بين المحرقة والنكبة من هذه الناحية، مع ضرورة تعليم الرواية الفلسطينية لليهود أيضا.

كما يتفق البرغوثي مع حيادري بأن "الخطة تهدف لتعميق تطويع وتدجين الطلاب العرب وجعلهم أداة طيعة بيد المؤسسة الإسرائيلية لإقصاء النكبة عن جدول حياتهم".

ويتابع متحدثا للجزيرة نت "بهذا الأسلوب الماكر تتمكن هذه المؤسسة من تثبيت حق اليهود في فلسطين دونما أي علاقة بالنكبة وما حصل في 1948″.

ويتفق ثلاثتهم على ضرورة دراسة رد علمي مسؤول يسعى لتحقيق نوع من الاستقلالية الثقافية كحق جماعي مكفول بالقانون الدولي للأقليات القومية، أو على الأقل مشاركة فاعلة من طرف المجتمع العربي وممثليه بوضع البرامج التعليمية التي تناسب الطالب العربي، ورفض أي إسقاطات من فوق".

وردا على سؤال الجزيرة نت، يقول الناطق بلسان الوزارة للشؤون العربية كمال عطية إن الوزارة صادقت مؤخّرا على "منهاج تعليمي لكافة المدارس في إسرائيل".

وزعم أن تعلّم موضوع المحرقة سيكون بالمفاهيم الإنسانيّة العامّة واستخلاص العبر منها. ويلفت لمشاركة أكاديميين عرب بتحضير مادّة خاصّة ملائمة للطلاب العرب "بهدف تشجيع مبدأ العيش المشترك وقبول الرأي الآخر".

المصدر : الجزيرة