تركيا.. رسائل الشعب الانتخابية

فوز كبير لحزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات البرلمانية المبكرة
أنصار حزب العدالة والتنمية خرجوا أمس للشوارع فرحا بفوزه في الانتخابات (الأناضول)
محمد أعماري
مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في يونيو/حزيران الماضي، التي لم تمنح حزب العدالة والتنمية الأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده، أكد زعيمه أحمد داود أوغلو احترام إرادة الشعب وقبوله بها، وبعد الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت أمس، واستعاد فيها الحزب أغلبيته المطلقة، تكلم أوغلو من جديد، لكنه هذه المرة قال "من الغد سنقود تركيا وحدنا".

تصريحان متباينان يكشفان عن أنهما ردان على رسالتين مختلفتين وجههما الناخب التركي إلى حزب العدالة والتنمية وباقي الأحزاب التركية في كلتا المناسبتين الانتخابيتين، ففي انتخابات يونيو/حزيران نزع من حزب أوغلو ورقة الأغلبية المطلقة في إشارة إلى أنه ربما لا يريد له أن ينفرد بالحكم، لكنه في الثانية أعادها إليه بعدما اتضح أن أحزاب المعارضة لم تلتقط الإشارة أو ربما قرأتها قراءة خاطئة، ولم تتوصل إلى ائتلاف مع الحزب الحاكم.

زلزال سياسي
نتائج حزب العدالة والتنمية في انتخابات يونيو/حزيران الماضي -التي حصل فيها على 258 مقعدا وفقد أغلبيته المطلقة- وصفها مراقبون آنذاك بأنها "فوز بطعم الخسارة"، لكن نتائج بعض أحزاب المعارضة في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الحالي كانت بمثابة زلزال سياسي من المحتمل أن تكون له ارتدادات قوية في البيوت الداخلية لهذه الأحزاب.

فإذا كان حزب العدالة والتنمية قد حصل في هذه الانتخابات على 316 مقعدا مقابل 258 في انتخابات يونيو/حزيران الماضي، وزاد عدد المصوتين له بنحو أربعة ملايين، فإن حزب الحركة القومية المعارض حصل على 41 مقعدا فقط، وخسر بذلك 39 مقعدا مقارنة مع انتخابات يونيو/حزيران التي حصل فيها على 80 مقعدا.

حزب الشعوب الديمقراطي هو الآخر فقد مليون صوت وتراجع عدد مقاعده إلى 59 مقعدا بعد أن كانت مقاعده 80 في انتخابات يونيو/حزيران الماضي، وهي رسالة واضحة مفادها أن الناخبين الأتراك أعطوا هذا الحزب فرصة للدخول إلى الحياة السياسية، خاصة أن هذه هي المرة الأولى أن يصل إلى البرلمان، لكن سرعان ما سحبوا جزءا من تأييدهم له بسبب ما يمكن أن يفسر على أنه شك من الناخب التركي في تقاطع مشروع هذا الحزب مع مشروع حزب العمال الكردستاني الذي حمل السلاح في وجه الدولة التركية.

ويرى مراقبون أن الناخب التركي وجه "ورقة حمراء" إلى حزب الشعوب الديمقراطي كادت تسقطه من البرلمان، حيث أوشك على الإخفاق في الحصول على نسبة 10% من الأصوات التي تعد عتبة التمثيل في البرلمان، وأنه بذلك يعطيه فرصة المراجعة وإعادة الحسابات.

توازن إيديولوجي
أما حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي فقد ظلت نتائجه ثابتة تقريبا، ففي انتخابات يونيو/حزيران الماضي حصل على 131 مقعدا وفي انتخابات يوم أمس حصل على 134 مقعدا، كأن الناخب التركي فهم استحالة مشاركة هذا الحزب في ائتلاف حكومي مع العدالة والتنمية، فقرر أن يحفظ له مكانة الحزب المعارض الذي يقوم بدور التوازن الأيديولوجي لا غير.

المحلل السياسي معين نعيم يقول في تصريح للجزيرة إن الشعب التركي أرسل رسالة للعالم مفادها أنه يريد الاستقرار ولا تهمه التفاصيل، ويرى أن "هذه هي الرسالة التي وجهها الناخب حتى للعدالة والتنمية".

ويضيف نعيم أن الناخب التركي يريد الاستقرار ويريد النمو الاقتصادي الذي حققه العدالة والتنمية، لكنه أيضا لا يريد لهذا الحزب أن يهيمن على الحياة السياسية وحده، وهي -في نظره- الرسالة السابقة التي أرسلها الناخب في انتخابات يونيو/حزيران الماضي "عندما شعر بأن العدالة والتنمية يسير نحو توجه حزبي مستقل عن المنطلقات التي بدأ بها في البداية".

ويؤكد نعيم أن انتخابات أمس حملت أيضا رسالة من الناخبين إلى الأكراد، خاصة حزب الشعوب الديمقراطي، وهي "أننا انتخبناكم لأنكم اتخذتم طريق السلام والاستقرار، ولما شعرنا بأنكم بدأتم تتراجعون سحبنا ثقتنا".

حق التمثيل
التباين في التصريحات، الذي يعكس التباين في الرسائل الانتخابية بين اقتراعين، ينعكس أيضا في تصريحات زعماء المعارضة، فبعد انتخابات يونيو/حزيران قال القيادي في حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين ديمرتاش إن تركيا وضعت حدا للنقاش بخصوص النظام الرئاسي الذي يلمح قادة حزب العدالة والتنمية إلى التحول إليه.

أما رئيس حزب الشعب الجمهوري مراد كارايالجين فقال آنذاك إن نتائج الانتخابات تعبر عن رفض واضح من الناخبين لمسعى الرئيس رجب طيب أردوغان لنيل صلاحيات واسعة والتحول باتجاه نظام رئاسي تنفيذي.

لكن بعد نتائج انتخابات يوم أمس اكتفى زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال قليجدار أوغلو بالقول إن حزبه "يحترم الإرادة الشعبية وما أفرزته من نتائج الانتخابات كما احترمها في الانتخابات التي جرت في 7 يونيو/حزيران الماضي".

وفي السياق عزا حزب الحركة القومية تراجعه إلى "تعرضه لمؤامرات استطاع أن يتصدى لها"، مؤكدا أنه رغم العدد القليل لنوابه في البرلمان فقد نجح من جديد في الحصول على حق التمثيل فيه.

نتائج الانتخابات التركية بينت على ما يبدو أن الناخب يريد استقرارا في الحياة السياسية يمكن تركيا من مواجهة التحديات الاقتصادية والتنموية الداخلية، وكذا مواجهة التحديات الإقليمية التي تتطلب حدا أدنى من التوازن في الجبهة السياسية الداخلية.

المصدر : الجزيرة + وكالات