السنعوسي ونصر الله وآخرون ينادون شهداء غزة

فتى يرفع علم فلسطين وطبع عليه اسماء شهداء العدوان على غزة
طفل يرفع علم فلسطين وقد كتبت عليه أسماء عشرات الشهداء (الجزيرة نت)

ميرفت صادق-رام الله

"ينام الشهيد على خيط نور، على خيط نور تنام الشهيدة، وبينهما قرب وجهيهما تنحني كالمدى وتصلي القصيدة". هكذا انطلق الروائي الفلسطيني إبراهيم نصرالله من العاصمة الأردنية عمان مناديا شهداء العدوان على غزة.

تلك المناداة كانت جزءا من أمسية نظمها متحف الشاعر محمود درويش برام الله تحت عنوان "نناديكم" كمحاولة للتذكير بأسماء قائمة تضم نحو 1900 شهيد حصد العدوان الإسرائيلي أرواحهم طوال يوليو/تموز الماضي والأيام الأولى من أغسطس/آب الجاري.

مناداة
وعبر الفيديو استهل نصر الله دوره في مناداة الشهداء بأسمائهم وأعمارهم بقصيدة من الشعر تناولت خمسين شهيدا قتلتهم القذائف الإسرائيلية في بداية العدوان لآباء وأمهات وأبناء من عائلات المصري وشعبان وأبو مر.

وذكر ستة شهداء سقطوا دفعة واحدة من عائلة حمد في بيت حانون شمال قطاع غزة، وهم: إبراهيم وفوزية وحافظ ومهدي ودينا وسهى حمد.

وعلى هدي خيط النور الذي ينام عليه الشهيد والشهيدة جاء الروائي الكويتي سعود السنعوسي الحائز على جائزة البوكر عام 2013، حاملا "أغنية كويتية قديمة" تنادي على الشهداء وتروي لهم حكايات "لم يتسنَ لهم أن يرووها بأنفسهم".

السنعوسي -الذي ارتدى قميصا أسود كتب عليه مطلع قصيدة "سجل أنا عربي" للشاعر الفلسطيني محمود درويش- قال إنه يقف كغيره عاجزا حين يكون أقصى ما يمكن فعله هو "تعاطف العاجز".

وكان السنعوسي قد زار فلسطين في شباط/فبراير الماضي والتقى العشرات من قرائه ومن الفلسطينيين الذين ولد بعضهم في الكويت، وعاد ليروي للكويتيين ما سماها "مشاهدات مؤثرة من الضفة الغربية".

وخلال الأمسية سمى السنعوسي خمسين شهيدا معظمهم من الشبان والأطفال، وضمت حصته من القراءة عددا من أبناء عائلة البطش التي فقدت 18 من أفرادها في قصف واحد.

واستذكر السنعوسي في نهاية قراءته الأغنية الكويتية القديمة للمقاومين في فلسطين، والأطفال منهم على وجه الخصوص "يا زمان اشهد لهم، أطفالنا مَن مثلهم، إنهم لبوا الندا، إنه يوم الفدا، وغدا سيأتي نصرهم".

وشارك السنعوسي -خلال أيام العدوان- في نشر دعوات للمشاركة في فعاليات لنصرة غزة بالكويت.

نناديكم: مبادرة فلسطينية لنشر أسماء وقصص شهداء العدوان على غزة (الجزيرة نت)
نناديكم: مبادرة فلسطينية لنشر أسماء وقصص شهداء العدوان على غزة (الجزيرة نت)

الناجي الوحيد
وعلى عكس من اكتفوا بالمناداة على أسماء الشهداء، اختار الشاعر الفلسطيني خالد جمعة أن يسرد حكاية من مدينته "رفح"، وهي حكاية عائلة "الحاج" التي استشهد ثمانية من أفرادها.

وروى جمعة عن "الناجي الوحيد" من العائلة ياسر الحاج الذي لم يكن في المنزل عندما تلقى اتصالا من ضابط المخابرات الإسرائيلي يبلغه بإخلاء البيت في غضون دقيقة "تمهيدا لقصفه".

وتابع جمعة "حاول ياسر الاتصال بأفراد عائلته عدة مرات كي يغادروا لكن أحدا لم يجبه، راح يركض باتجاه البيت ينادي عائلته، لكنه وصل متأخرا".

مشهد "الركض" هذا كان أصعب صور الحرب من وجهة نظر الشاعر الفلسطيني الذي قال "إن من يريد فهم الحرب على غزة فعليه أن يعرف طبيعة المكان بها".

واستطرد "هناك بيوت مخيمات جدرانها ضعيفة، قد تنهار حوائطها إذا اتكأت بقوة، فما بالك إذا قصفت هذه البيوت بالصواريخ؟".

أما الناطق باسم الحكومة الفلسطينية إيهاب بسيسو فاختار أن يستذكر أسماء أطفال عائلة بكر الأربعة (عاهد، زكريا، محمد، إسماعيل) الذين قتلتهم قذيفة إسرائيلية أثناء لهوهم على الشاطئ غرب غزة.

وقال بسيسو -ابن مدينة غزة- إن الشهداء أكثر من مجرد أسماء تتلى أو أعمار "هم حياتنا، حين نصغي قليلا سنستمع إلى إيقاعها العفوي، صخب اليوميات بين الباعة، والطرقات، والمدارس، وفي المنازل، وحين نغمض أعيننا قليلا سنراهم يخرجون من الصور والذاكرة".

‪نصر الله خلال مشاركته في مناداة الشهداء بالفيديو من عمّان‬  (الجزيرة نت)
‪نصر الله خلال مشاركته في مناداة الشهداء بالفيديو من عمّان‬ (الجزيرة نت)

قصص
وعندما جاء الدور على الكاتبة المسرحية الفلسطينية ميساء الخطيب قرأت قصصا قصيرة عن عائلات حُذفت بأكملها من السجل المدني مثل عائلة "أبو جراد" كما ذكرت قصة الشهيد عبد الرحمن الزاملي الذي شاهد الجميع صور خطيبته تودعه على باب ثلاجة الموتى، لكنها استشهدت أيضا في آخر أيام العدوان.

وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي الفلسطينية بمبادرات لنشر صور وقصص شهداء لم يتسنَ لأصدقائهم وعائلاتهم تشييعهم في جنازات كبيرة تحت القصف، ولا نشر أسمائهم وحكاياتهم بسبب انقطاع الكهرباء ونزوح العائلات إلى مراكز الإيواء خلال العدوان.

ودعت مبادرة "الشهيد سامع" لبث أسماء الشهداء كاملة عبر سماعات المساجد والكنائس في القرى والمدن بكل أنحاء فلسطين.

وقال مدير متحف محمود درويش سامح خضر إن "أقل ما يمكن تقديمه هو تذكر أسماء الشهداء ومناداتهم كأنهم حاضرون أو كأنهم جاؤوا من هناك، من موتهم ليلقوا علينا تحية الغياب الأخير".

وروى خضر -الذي نجت عائلة من قصف منزلها ببلدة جباليا- كيف عاش رعب الأيام الأخيرة قائلا خشيت أن يأتي علي وقت "أتلو فيه أسماء أمي وأخوتي". وأضاف إن الأمسية أرادت أن تلقي على الشهداء التحية واحدا واحدا، اسما اسما، وحلما حلما".

المصدر : الجزيرة