الجرائم بغزة بانتظار "غولدستون" جديد
محمد النجار
مع توقف إطلاق النار في قطاع غزة، بدأت دوائر سياسية وقانونية الحديث عن الحاجة لبدء تحقيق دولي للكشف عن الحجم الكبير من جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل أثناء عدوانها على القطاع المحاصر، وسط محاذير من ضغوط سياسية دولية تدفع لمحاكمة حركات المقاومة الفلسطينية بتهمة المس بالمدنيين الإسرائيليين.
وتعيد المطالبات بهذا التحقيق إلى تقرير القاضي ريتشارد غولدستون الذي أدان إسرائيل بارتكاب جرائم حرب بعد عدوانها على قطاع غزة عام 2009، وهو التقرير الذي جرى تعطيله نتيجة ضغوط دولية في ما بعد.
وصرح وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي بعد لقائه ممثلي الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بأن هناك أدلة واضحة على ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة، مجددا الرغبة الفلسطينية في ملاحقة مسؤولين إسرائيليين أمام المحكمة الدولية.
وكانت قيادات في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقيادات فلسطينية عدة قد دعت لمحاسبة قيادات إسرائيل السياسية والعسكرية لارتكابها جرائم حرب ذهب ضحيتها نحو 1900 فلسطيني نتيجة العدوان الإسرائيلي على مدى نحو شهر.
وكان مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية رفض عام 2009 طلبا تقدمت به السلطة الفلسطينية للتحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة، وتذرع وقتها بأن السلطة ليست دولة وأنها لم توقع على نظام روما الخاص بالمحكمة.
نظام روما
غير أن خبراء في القانون الدولي يرون أن الحال قد تغيرت هذه المرة، لا سيما أن فلسطين باتت تحمل مسمى الدولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة، حيث أعلنت السلطة الفلسطينية عبر مسؤولين فيها أنها تقدمت بطلبات للانضمام للمزيد من المنظمات الدولية.
وفي هذا الإطار، يرى الخبير في القانون الدولي الدكتور أنيس القاسم أن كل الاتفاقيات التي تنوي السلطة الفلسطينية توقيعها، ومنها اتفاقيات جنيف الخاصة بجرائم الحرب "لا تعني شيئا".
وأضاف للجزيرة نت "الاتفاقية الوحيدة المهمة هنا هي نظام روما الذي يكفي للسلطة الفلسطينية تجديد طلب الانضمام لها أو الإشارة لهذا الطلب المقدم عام 2009 مع طلب التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة".
واعتبر القاسم طلب السلطة الفلسطينية التوقيع على اتفاقيات جنيف "غير مجد"، وزاد "الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 -بما فيها القدس الشرقية- خاضعة بموجب القانون الدولي لاتفاقيات جنيف كونها أراض محتلة، ولا حاجة لاعتبار السلطة تقديم الطلبات للانضمام لها إنجازا".
إرادة سياسية
غير أن القاسم اعتبر أن المشكلة لا تكمن في الإطار القانوني الذي "سيدين إسرائيل حتما"، ولكن في الإرادة السياسية الدولية لا سيما أن الفلسطينيين يمتلكون كما كبيرا من الوثائق التي تدين إسرائيل، بدءا بقرار الجدار العازل، مرورا بتقرير غولدستون، وصولا لتقارير مبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة للأراضي المحتلة، والذين يرصدون بتقارير دورية الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة في فلسطين.
ويذهب الخبير في القانون الدولي لانتقاد السلطة الفلسطينية التي اتهمها بعدم توفر الإرادة السياسية لديها لملاحقة إسرائيل وقادتها أمام المنظمات الدولية، مشيرا -في هذا الإطار- إلى طلبها تأجيل بحث تقرير غولدستون، "مما أضاع فرصة ذهبية لإدانة إسرائيل قبل سنوات".
وزاد "المشكلة أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس -ومن هم حوله وقيادة منظمة التحرير- لا يؤمنون إلا بطاولة المفاوضات مع إسرائيل سبيلا وحيدا لانتزاع الحقوق"، داعيا المنظمات الفلسطينية التي قال إنها تمتلك كنزا من الوثائق للتحرك بمعزل عن السلطة الفلسطينية.
ودعا القاسم إلى تشكيل مكتب قانوني دولي من خبراء يضعون خارطة طريق لتحرك السلطة والمنظمات الأهلية لإدانة إسرائيل على جرائمها في القطاع، والتي تبدأ من الحصار وتنتهي بما فعلته آلتها الحربية في العدوان الأخير.
محاذير
في إطار مواز، يؤكد أستاذ القانون الدولي الدكتور محمد الموسى للجزيرة نت أهمية توجه السلطة الفلسطينية نحو طلب التحقيق الدولي في جرائم الحرب بغزة.
غير أن الموسى يضع محاذير ويدعو للتنبه لها، منها توجه قوى دولية تريد إدراج قادة حركة حماس للتحقيق بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين الإسرائيليين، وما قد يترتب عليه من ضغوط ربما لإدانة بعضهم وهو ما سيضر بالقضية الفلسطينية والمقاومة.
كما يشير الموسى إلى أن نظام روما يمنح مجلس الأمن الدولي صلاحية تأجيل النظر في أي طلب للتحقيق مدة سنة قابلة للتأجيل، عوضا عن تفاوت مدى التزام دول العالم حتى الموقعة على نظام روما، بقرارات المحكمة، مشيرا -في هذا الإطار- إلى رفض دول اعتقال مطلوبين وتسليمهم للمحكمة.
وفي رأي الموسى، فإن الأمور تحتاج لدراسة معمقة تسبق التوجه للمحكمة الدولية أو الهيئات ذات العلاقة للتأكد من إدانة إسرائيل وملاحقة قادتها بشكل فاعل.