أطفال غزة شهدوا ثلاث حروب في ست سنوات

A Palestinian man pictured through a damaged classroom carries a boy as he walks at a United Nations-run school sheltering Palestinians displaced by an Israeli ground offensive, that witnesses said was hit by Israeli shelling, in Jebalya refugee camp in the northern Gaza Strip July 30, 2014. Israeli shelling killed at least 15 Palestinians sheltering in a school in Gaza's biggest refugee camp on Wednesday, the Health Ministry said, as Egyptian mediators prepared a revised proposal to try to halt more than three weeks of fighting. Some 3,300 Palestinians, including many women and children, were taking refuge in the building in Jebalya refugee camp when it came under fire around dawn, the United Nations Relief and Works Agency (UNRWA) said. An Israeli military spokeswoman said militants had fired mortar bombs from the vicinity of the school and troops shot back in response. The incident was still being reviewed. Israel launched its offensive in response to rocket salvoes fired by Gaza's dominant Hamas Islamists and their allies. REUTERS/Suhaib Salem (GAZA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST CONFLICT)
مشاهد الدمار والموت أثرت على الحالة النفسية للأطفال في قطاع غزة (رويترز)

أيمن الجرجاوي-غزة

 

تحاول الطفلة الفلسطينية شيماء أبو الجديان عبثًا تناسي مشهد انتشال أفراد عائلة عمها أحياء من تحت ركام منزلهم الذي قصفته طائرات إسرائيلية ببلدة جباليا شمال قطاع غزة، ولا زالت تتذكر ابن عمها الصغير حين كان يصرخ ألما ووجهه مضرج بالدماء.

مشهد الأطفال الجرحى بات لا يغادر مخيلة شيماء، ولم تعد قادرة على إغماض عينيها خوفًا من استذكار ما جرى، كما أفقدتها أصوات الانفجارات الشعور بالأمان، وأزالت من نفسها الرغبة في اللعب والترفيه.

الطفلة (12 عامًا) حالها كحال آلاف الأطفال الفلسطينيين الذين شهدوا ثلاث حروب شنتها إسرائيل على القطاع خلال ست سنوات، وتركت في نفوسهم مشاهد أليمة، ربما لن يستطيع الوقت محوها من أذهانهم.

بكلماتها البسيطة، تقول شيماء للجزيرة نت إن إسرائيل في كل حرب تقتل الأطفال والنساء وتهدم البيوت وتستهدف المساجد والمدارس دون أي ذنب، وتضيف "هم لا يعطوننا الأمان ويطلبوه منا".

شيماء تتمنى أن تصبح صحفية عندما تكبر، وترى أن فضح الجرائم الإسرائيلية أمام العالم يعتبر هدفًا أساسيا ستسعى لتحقيقه في المستقبل.

‪شيماء تمنت أن تصبح صحفية لفضح جرائم الاحتلال بحق الأطفال‬ (الجزيرة)
‪شيماء تمنت أن تصبح صحفية لفضح جرائم الاحتلال بحق الأطفال‬ (الجزيرة)

غياب الأمان
ويشارك الطفل خالد حسام (12 عامًا) من حي الدرج بمدينة غزة شيماء في الشعور بغياب الأمان، فصديقه الذي يقابله كل يوم في المدرسة ما زال يعاني من عرجة بقدمه جراء إصابته بشظايا صاروخ إسرائيلي خلال عدوان عام 2012.

أصوات الانفجارات الهائلة التي تسببها الصواريخ تفقد خالد الشعور بالأمن، وتديم إحساسه بالخوف حتى عند سماع أي صوت مرتفع.

ويوضح للجزيرة نت أن الحروب الثلاث أثّرت كثيرًا في سلوكه، إذ إنه أصبح أكثر عصبية وعدوانية في بعض الحالات.

ويشتكي خالد من غياب أنشطة الدعم النفسي للأطفال في المدارس بعد انتهاء العدوان، أما في البيت فتكتفي الأسرة بطمأنته أن الحرب ستنتهي قريبًا وسيعود كل شيء كما كان.

ولا يعوّل الطفل خالد على إنصاف المجتمع الدولي للمدنيين في القطاع. ويقول إنه بات يشعر بخيبة أمل كبيرة جراء وقوف العالم مع إسرائيل التي تقتل الأطفال والنساء على شاشات التلفزة دون أن يتحرك أحد.

ورغم ما أصابه من أذىً نفسي جراء الحروب التي عاشها، ما زال خالد يتمسك بحلمه أن يصبح لاعب كرة قدم كبيرا يحترف في أندية عالمية، لكنه يتمنى أن تكون معابر قطاع غزة مفتوحة حينها ليتمكن من السفر.

‪‬ خالد: أشعر بالخيبة لوقوف العالم مع إسرائيل في قتلها الأطفال والنساء(الجزيرة)
‪‬ خالد: أشعر بالخيبة لوقوف العالم مع إسرائيل في قتلها الأطفال والنساء(الجزيرة)

مشاهد وخوف
وتتعدد المشاهد التي رسخت في عقول الأطفال الفلسطينيين جراء الحروب الإسرائيلية، فصورة مصطفى الصباغ الذي استشهد في عدوان 2008 ما زالت مطبوعة في ذاكرة ابن عمه الطفل مصعب (11عاما) رغم أن عمره كان حينها لا يتجاوز خمسة أعوام.

ولم يتذكر الطفل مصعب من العدوان الأول إلا الخوف، لكنه في حرب 2012- كما يقول للجزيرة نت- أصبح أكثر إدراكًا بالفظائع التي ترتكبها إسرائيل.

أما في العدوان الحالي، فاختلطت مشاعره بين الفرح بأعمال المقاومة والحزن على قتل النساء والأطفال بشكل متعمد.

ويضيف مصعب أن أطفال غزة باتوا يحقدون على إسرائيل بعد أن قتلت أصدقاءهم وأقاربهم وهدمت بيوتهم ومدارسهم ومساجدهم.

ويقول إن الأطفال في قطاع غزة يرون أن المجتمع الدولي أضحى "بلا ضمير" لصمته عن الجرائم الإسرائيلية.

ودفعت المجازر التي ترتكبها إسرائيل الطفل مصعب للإصرار على أن يكون طبيبًا في المستقبل، لكنه يقول إنه سيسعى لأن يكون مجاهدًا أيضًا في نفس الوقت ليدافع عن شعبه ويضمد جراحه.

‪مصعب: أطفال غزة  يحقدون على إسرائيل بعد أن قتلت أصدقاءهم وأقاربهم‬ (الجزيرة)
‪مصعب: أطفال غزة  يحقدون على إسرائيل بعد أن قتلت أصدقاءهم وأقاربهم‬ (الجزيرة)

آثار مباشرة
وتظهر أثناء الحرب وبعدها آثار مباشرة على الأطفال الفلسطينيين جراء المشاهد الدامية وأصوات الانفجارات، أبرزها الشعور بالخوف والكآبة لا سيما لدى الذين فقدوا عزيزًا جراء العدوان، كما يوضح أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى بغزة درداح الشاعر.

ويضيف للجزيرة نت أن الآثار السلبية تتجاوز الحالة النفسية لتؤثر على النشاط المعرفي، وتسبب تشتتًا في الانتباه والتركيز، عدا عن بعض الاضطرابات الجسدية كالصداع والقيء والمغص وربما التبول اللاإرادي.

ويقول إن أي برنامج علاجي للأطفال لن يجدي إلا بوقف الحرب الإسرائيلية أولا، لكنه يشير إلى إسعافات نفسية أولية يمكن أن تتبعها الأسر الفلسطينية للتخفيف من آثار العدوان على أبنائها.

وينصح الشاعر الأسر بمعاودة نظامها الحياتي بشكل شبه عادي، وممارسة بعض الأنشطة التي تخفف القلق والتوتر النفسي كالرسم والسماح بالتعبير عن المشاعر تجاه الحرب، لكنه يدعو للتوجه إلى أخصائي نفسي في حال وجود بعض الاضطرابات النفسية الشديدة.

المصدر : الجزيرة