رمضان إسطنبول بين روح العبادة وجمال التقاليد

المشاركون بالإفطار الجماعي يبدأون بحجز مقاعدهم في ساحة جامع سلطان أحمد بعد صلاة العصر
المشاركون في الإفطار الجماعي يبدؤون بحجز مقاعدهم في ساحة جامع سلطان أحمد بعد صلاة العصر (الجزيرة)

خليل مبروك-إسطنبول

شرع المسلمون في تركيا بصيام شهر رمضان المبارك منذ السبت الماضي وفق الحسابات الفلكية، واستقبلت بلدية مدينة إسطنبول الصائمين بمائدة إفطار كبيرةٍ في ساحة جامع السلطان أحمد قرب متحف آيا صوفيا، افتتحت بإطلاق مدفع رمضان الذي نصب في المكان لاجتذاب الزوار وتعريفهم بالثقافة والتراث الرمضاني في المدينة التي كانت مقر حكم السلاطين العثمانيين.

وقدرت بلدية إسطنبول عدد الذين تناولوا طعام الإفطار في المائدة بنحو عشرة آلاف بينهم عدد كبير من السياح والزوار المسلمين الموجودين في المدينة، مؤكدةً أن المائدة تقام بالتناوب في 30 موقعاً مختلفاً في حي الفاتح طيلة أيام الشهر الكريم.

وقالت بتول أرتاش التي تناولت طعام الإفطار مع زوجها وطفليها في ساحة السلطان أحمد، إنها دأبت على المشاركة في هذا التقليد الرمضاني السنوي كل عامٍ لمشاركة غيرها من المسلمين طعام الإفطار، مشيرة إلى أن وجود صائمين من بلدان مختلفة يشعرها بالسعادة "لأن رسالة الصيام هي أن يحس المسلمون باحتياجات بعضهم بعضا".

وأشارت أرتاش إلى أن المائدة الرمضانية منحتها الفرصة للاستماع إلى لغات كثير من الخلق الذين توحدوا في ترديد دعاء الإفطار باللغة العربية رغم اختلاف ألسنتم وألوانهم.

‪مواطنون وزوار يترقبون العرض المسرحي في ساحة جامع سلطان أحمد‬  (الجزيرة)
‪مواطنون وزوار يترقبون العرض المسرحي في ساحة جامع سلطان أحمد‬ (الجزيرة)

أمسية مسرحية
وعقب الإفطار تجمعت حشود كبيرة أخرى في مدرجٍ مجاورٍ لمشاهدة عرضٍ مسرحيٍ في أمسية تروي قصة الإسلام في تركيا وتشرح مكانة إسطنبول بين المسلمين، وتوثق قصصاً عن سيرة السلاطين العثمانيين وما عرف عنهم من عادات خلال الشهر الكريم.

وتمتد ساعات الصيام في تركيا إلى نحو 17 ساعةً، وساعدت الأحوال الجوية المائلة للبرودة في بعض الأحيان الصائمين على الاستمتاع بالأجواء الرمضانية في أول يومين انقضيا من الشهر الفضيل، في حين لوحظ تراجع كبير في أعداد الزبائن الموجودين في المطاعم السياحية خلال ساعات النهار والذين يكادون ينحصرون في السياح من غير المسلمين.

وتنشط حركة البيع والشراء والإقبال على المطاعم مع اقتراب موعد أذان المغرب، إذ يعتاد الأتراك على تناول فطيرة "البيدا" المعدة في مخابز الحطب خلال أيام هذا الشهر. كما يبادر أصحاب المحلات التجارية إلى عرض المأكولات والمقبلات الشعبية في رمضان كالمخللات والكفتة التركية المطحونة وبعض أنواع العصائر خارج محلاتهم لاجتذاب الزبائن.

‪المسحراتي آرسين‬  (الجزيرة)
‪المسحراتي آرسين‬  (الجزيرة)

المسحراتي
أما مساجد إسطنبول فتكتظ بالمصلين الذين يؤدون صلاة التراويح في عدد كبير من الصفوف، ويسرع الأئمة في أغلب المساجد في التلاوة ويقرؤون في أغلب الأحيان آيةً واحدةً في كل ركعة، وبأسلوب "الحدر"، ولا يحافظون على الاستراحة بين الركعات، ومع ذلك تنتهي الصلاة قبل دقائق معدودة من الساعة الثانية عشر في منتصف الليل.

ويكسر صوت الطبول التي يتردد صداها بين شارعٍ وآخر صمت الليل في ساعة مبكرة نسبياً، في تقليد يشبه كثيرا أداء المسحراتي في كثير من البلدان العربية. فعند الساعة الثانية بعد منتصف الليل يحمل آرسين طبله الكبير وينطلق للتجوال في حي كارا جومرك ليقرعه بقوة موقظاً الناس لتناول السحور.

ويقول آرسين وهو مسلمٌ من أصول غجرية، إنه يقرع طبل رمضان منذ أكثر من 20 عاما، وإنه ورث هذا التقليد عن والده، وإنه يحظى ببعض المساعدات من أهل الحي الذين يوقظهم للسحور، مشيراً إلى أن مهنته هي إحياء الحفلات والغناء في الأعراس الشعبية التي يقل عددها في إسطنبول خلال هذا الشهر.

كما تنتشر في شوارع المدينة =التي يقطنها قرابة 15 مليوناً أغلبهم من المسلمين- لافتات التهنئة بحلول شهر الخير، وأخرى تحث الصائمين على التبرع ودفع الزكاة لمستحقيها عبر الهيئات والجهات المختصة في هذا المجال.

المصدر : الجزيرة