منى عودة.. مستثمرة فلسطينية بين جدارين

عاطف دغلس-طولكرم

بين جدار الفصل العنصري وجدران مصانع جيشوري الإسرائيلية أكملت المزارعة الفلسطينية منى عودة (51 عاما) عامها الثامن والعشرين تحرث أرضها وتزرعها بأصناف شتى من الخضراوات والفواكه، تقاوم بها المحتل وتقهر سوء الحال الاقتصادي وتوفر دخلا لها ولأسرتها.

وتطوّق عودة مزارعها بنظرات سريعة كل صباح لترقب أي جديد يحدثه الاحتلال الإسرائيلي خشية أن يفقدها ما تبقى من أرضها التي صادر أكثر من ثلثيها على مدى ثلاثين عاما. 

وفي مطلع ثمانينيات القرن الماضي ضاق الإسرائيليون ذرعا بمصانع مخصصة لإنتاج المواد الكيمياوية (جيشوري) كانت تقيمها دولة الاحتلال بمناطق يهودية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، فقرر نقلها بعد شكاوى عديدة لأراضي مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية. 

ولم يقع الخيار الإسرائيلي على أرض عودة مرة واحدة لصالح المصانع فحسب، بل كانت الغصة الثانية بعدما أقدم على تشييد جدار الفصل العنصري فوق أرضها وعزل أكثر من عشرين دونما منها.

صراع وبقاء
وبيدين نحيلتين وجسد هزيل تصارع منى على ما تبقى من أرضها (10 دونمات) وتزرعها بأكثر من عشرين صنفا من الخضراوات والفواكه. 

وتقول للجزيرة نت -التي رافقتها في جولة بمزرعتها- إنها آثرت البقاء في الأرض لحمايتها والدفاع عنها خاصة عندما تأكدت من سعي الاحتلال لتهويدها. 

وتضيف أن مزرعتها تعرضت لاقتحامات وإغلاقات إسرائيلية كثيرة، كان آخرها قبل سنوات قليلة بعدما أحاطها الجنود بأسلاك شائكة ومنعوها من دخولها، لكنها قطعت الأسلاك وأزالتها وباشرت في حرثها على مرأى ومسمع منهم.

ولم تقف مأساتها عند الأسلاك، حيث استقطع الجدار العنصري جزءا كبيرا من أرضها، وعلت جدرانه فوقها، كما أتلفت مجاري مصانع جيشوري العادمة جزءا آخر من مزرعتها.

بيد أن عودة تقول إنها قهرت الاحتلال وإن أدواته لم تنل من عزيمتها حيث حافظت على أرضها بزراعات جيدة وبطرق حديثة، فاستعاضت عن قلة مساحة الأرض بالزراعة داخل البيوت البلاستيكية، كما استخدمت الزراعة العضوية تحديا للتلوث الذي تحدثه مجاري المصانع الإسرائيلية.

واستطاعت منى أن تستغل مساحة دونم واحد بزراعة أكثر من 20 ألف شتلة من الفراولة المعلقة، بينما كانت تحتاج لضعف المساحة لزراعتها على الأرض.

‪عودة: قهرت الاحتلال وحافظت على أرضي بزراعة جيدة وبطرق حديثة‬ (الجزيرة)
‪عودة: قهرت الاحتلال وحافظت على أرضي بزراعة جيدة وبطرق حديثة‬ (الجزيرة)

وتسخر عودة أدواتها البسيطة والمحلية لاستنبات أشتال محسنة وغير مضرة بالبيئة، وتستغل عوامل الطبيعة كالشمس والتربة لتحقيق هدفها، وهو ما حوّل مزرعتها لمركز تعليمي لطلاب جامعيين فلسطينيين وأجانب. 

افتقاد الأمان
لكن عودة التي تعمل برأس مال تشغيلي يتجاوز 150 ألف دولار تفتقد الأمان الاقتصادي في ظل تهديد الاحتلال لمصدر رزقها وغياب الدعم الرسمي للمزارعين.

وتقول إنها لا تحظى بالدعم المطلوب كالتأمين الزراعي الشامل أو حتى وقت الكوارث، ولا تسترد كذلك أموال الضرائب التي تدفعها ثمنا لمستلزماتها الزراعية من إسرائيل التي تعيدها بدورها للسلطة.

أما زوجها فايز الطنيب فيقف إلى جانبها في كل خطوة لدعم صمودها والاستمرار بإنتاج زراعة "مميزة وآمنة" تحديا للجدار والمصانع على السواء.

وحسب محافظ طولكرم عبد الله كميل، عزل الجدار نحو 40 ألف دونم من أراضي مدينة طولكرم، بينما تصادر المصانع آلاف الدونمات من أصحابها وتعزلهم عنها.

ويبين أن الأخطر من ذلك هو سعي الاحتلال لإيجاد صيغة قانونية لاستمرارية هذه المصانع التي نتج عنها إصابة العشرات بالمدينة بالسرطان.

وأمام هذا كله ترفض عودة التزحزح شبرا واحدا من مزرعتها التي تسميها "مزرعة العودة" كي لا تذوق مرارة التهجير مرة أخرى بعد نكبتها وعائلتها عام 1948 وتهجيرهم من أرضهم.

المصدر : الجزيرة