الشارات البيضاء.. رمز لتخليد فظاعات البوسنة

سيدة بوسنية - شارات بيضاء
القوات الصربية أجبرت المسلمين والكروات على تمييز أنفسهم بشارات بيضاء عام 1992 ونفذت حملة تطهير عرقي بحقهم (الجزيرة)

مثل كثيرين من أبناء مدينة بريجيدور البوسنية، يعتزم البرفيسورالمقيم في هولندا ساتكو مياجيتش حمْل شارة بيضاء يوم 31 مايو/أيار الجاري.

والشارات البيضاء التي يتوافد نشطاء من داخل البوسنة ودول الجوار لحملها وسط بريجيدور، تلفت الانتباه إلى فصول أليمة من تاريخ المسلمين والكروات.

فبعد نزوات النازية في ثلاثينيات القرن الماضي، لم يستمع العالم لحدث أغرب من مرسوم أصدره الحزب الصربي الديمقراطي يوم 31 مايو/أيار 1992 يقضي بأن يرفع غير الصرب أعلاما فوق منازلهم ويحملوا شارات بيضاء تميزهم في الشوارع.

هذا المرسوم لم يكن جانبا من تقلّب أمزجة الدكتاتوريين فقط، بل كان إيذانا بحملة تطهير وإبادة جماعية تشيب من هولها الولدان ويندى من فظاعتها جبين التاريخ.

مقابر ومعتقلات
ويقول نشطاء إن مرسوم الشارات البيضاء كان "إشارة لنية الإبادة الجماعية"، لأنه كان لا بد من تمييز غير الصرب حتى يزفهم القتلة إلى المقابر أو يسوقهم زبانية العذاب إلى المعتقلات.

‪الناشطون يخلدون مرسوم الشارات البيضاء سنويا لتذكير العالم بضحايا الإبادة‬ (الجزيرة نت)
‪الناشطون يخلدون مرسوم الشارات البيضاء سنويا لتذكير العالم بضحايا الإبادة‬ (الجزيرة نت)

وابتداء من ذلك اليوم، أسرفت القوات الصربية في إراقة دماء المسلمين بالذات، ودست الشيوخ والأطفال في مقابر جماعية وساقت كثيرين إلى معتقلات الجحيم في محيط منطقة بريجيدور.

فمنذ العام 1992 وحتى 1995 قتل في بريجيدور ومحيطها 3173 شخصا بينهم 256 امراة وأكثر من مائة طفل، وسيق أكثر من 31 ألفا إلى معسكرات الاعتقال حيث سامهم الجنود صنوف التعذيب والهوان، في حين أجبر 35 ألفا آخرون على الفرار.

وفي أغسطس/آب 1992 صُدم العالم عندما تمكن بعض الصحفيين من بث ونشر صور لسجناء أعياهم الهزال وتحيط بهم أسلاك شائكة في معسكري أومارسكا وترنوبوليي.

أما مجزرة سربرنيتشا، فقد أرخت لأسوأ قصة دموية منذ الحرب العالمية الثانية إذ راح ضحيتها ثمانية آلاف رجل وصبي من مسلمي البوسنة.

وقد أدانت محكمة جرائم حرب يوغسلافيا السابقة بعض المسؤولين عن قتل وتعذيب البوسنيين وحكمت عليهم بالسجن لعدة عقود.

وفي أكتوبر/تشورين الأول الماضي تم اكتشاف واحدة من أكبر المقابر الجماعية في تاريخ حرب البوسنة، حيث عثر في محيط بريجيدور على جثث لأكثر من ألف شخص من المسلمين والكروات قتلتهم القوات الصربية.

وتعتزم السيدة هافا تارفيتش إعادة دفن رفات زوجها وأطفالها الستة يوم 20 يوليو/تموز المقبل بعد أن عثر عليهم في مقبرة جماعية قرب بريجيدور.

أهوال الماضي
وعلى موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، أنشأ البروفيسور مياجيتش صفحة بعنوان "حراس أومراسكا" من أجل مواجهة أهوال الماضي.

ويدعو مياجيتش إلى التسامح ونبذ الكراهية إذ يطالب بمعاقبة المجرمين في الوقت الذي يرفض فيه الحقد على إثنية معينة، قائلا "لا أريد أن نكرر الأخطاء التي ارتكبت بحقنا".

‪جانب من مقبرة ضحايا مجزرة سربرنيتشا‬ (الجزيرة نت)
‪جانب من مقبرة ضحايا مجزرة سربرنيتشا‬ (الجزيرة نت)

وكان نشطاء شكلوا عام 2012 -بمناسبة مرور الذكرى العشرين للشارات البيضاء- مجموعة تدعو إلى التوقف عن إنكار الإبادة الجماعية التي حصلت في بريجيدور.

وما يزال العديد من المسؤولين الصرب يتعاملون بإنكار مع هذه الأحداث الفظيعة. وفي العام قبل الماضي قال عمدة بريجيدور ماركو بافيتش إن الإبادة الجماعية لم تحصل في المدينة.

وينتمي بافيتش إلى الحزب الديمقراطي الصربي الذي أصدر مرسوم الشارات البيضاء.

ولكن نشطاء من مختلف العرقيات وحتى من بلدان مجاورة خلدوا المرسوم في العام الماضي وسط بريجيدور، حيث حملوا شارات بيضاء ورددوا هتافات ضد الإبادة الجماعية والتهجير.

ويقول أمير هودزيك -وهو ناشط في مجموعة "أوقفوا إنكار الإبادة الجماعية"- إن السلطات البلدية تخاف من مواجهة الماضي، مضيفا أنه لا يتوقع تحسنا كبيرا في تعاطيها مع مخلدي مناسبة الشارات البيضاء هذا العام.

ويشير إلى أن السلطات ما تزال تنظر إليهم كمجموعة من الخونة والمحرضين رغم أن غالبيتهم ليست من مسلمي البوسنة، على حد قوله.

وطبقا لهودزيك، يؤدي أعضاء المجموعة زيارات منتظمة لمقابر يرقد فيها ضحايا التطهير العرقي ومعسكرات كانت وكرا للتعذيب والإذلال.

ويرى أن العدالة الانتقالية والتصالح مع الماضي لن يتما عبر "المال والمشاريع"، وإنما بتجسيد القيم الإنسانية والثورة الاجتماعية وتكريس دولة القانون.

ويعتبر أن تبرير جرائم قتل الأطفال واغتصاب النساء بكونها وقعت في سياق الحرب يعكس "فشلنا كمجتمع إنساني".

وهودزيك الذي شدد على أهمية إسماع الصوت الإنساني، تحدى السياسيين بالقول إنه "لا يمكنهم وقف الثورة الاجتماعية أو قتل الأفكار"، داعيا إلى محاربة الأيدولوجيات الراعية للإبادة الجماعية والجرائم بحق الإنسانية.

المصدر : الجزيرة