"حافلات النكبة" تبعث ذكريات المقاومة واللجوء

حافلة أقلت لاجئين فلسطينيين في النكبة تعرض برام الله
حافلة أقلت لاجئين فلسطينيين في النكبة تعرض برام الله (الجزيرة)

ميرفت صادق-رام الله

منذ 66 عاما تحتفظ عائلة الحاج حامد اللفتاوي المهجرة من قرية لفتا غرب القدس بالحافلة التي أقلتها مع العائلات المهجرّة في الخروج الأخير من قريتهم التي دمرتها العصابات الصهيونية عام 1948.

وأعاد ابن العائلة عماد اللفتاوي ترميم الحافلة -التي كان يملكها والده، وهي من نوع (دوج 500 موديل 1938)- وطلاءها باللون الرمادي، حيث ستحل كأبرز محطات النكبة في فعاليات إحيائها وسط مدينة رام الله.

وقال اللفتاوي للجزيرة نت إن الحافلة أقلت تسعة من أفراد عائلته الذين ولدوا في قريته المهجرة بالإضافة إلى عشرات العائلات التي أجبرت على الخروج من القرية عام 1948. لكن وبالحافلة ذاتها استطاع الحاج حامد اللفتاوي إعادة عشرات العائلات النازحة إلى الأردن بعد حرب 1967 واحتلال الضفة الغربية.

وكتب عماد اللفتاوي على مقدمة الحافلة "راجعلك يا دار في تْرَك أبي الختيار"، وقال إن الحافلة تمثل تاريخا مشرفا رغم أنها حملت اللاجئين خارج ديارهم، حيث شكلت أداة هامة لنقل السلاح والعتاد لمساندة الثوار المقاتلين مع القائد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل قبل سقوط البلاد. 

‪انطلاق فعاليات إحياء ذكرى النكبة بمسيرة مشاعل في رام الله‬ (الجزيرة)
‪انطلاق فعاليات إحياء ذكرى النكبة بمسيرة مشاعل في رام الله‬ (الجزيرة)

شهادة عبد القادر الحسيني
وفي إحدى الأدبيات، تحدث عبد القادر الحسيني عن دور الحاج حامد اللفتاوي في توفير قرابة 30% من الأسلحة والعتاد الذي حمله الثوار قبيل النكبة بواسطة شاحنته.
 
وقال حامد اللفتاوي إن والده كان يهم بالسفر بالشاحنة إلى سوريا لتأمين إمدادات جديدة من السلاح لعبد القادر الحسيني ومقاتليه، غير أن الحصار قد أحكم تماما على قرى القسطل ومنها لفتا ودير ياسين، واستشهد الحسيني قبل مجزرة دير ياسين الشهيرة بيوم واحد.

وأجبر الأهالي في المنطقة على مغادرة قراهم بعد المجزرة التي راح ضحيتها المئات على أيدي العصابات الصهيونية. وفي شاحنة اللفتاوي ذاتها تمكن العشرات من أهالي دير ياسين من الفرار والنجاة من موت محقق. ويقول حامد اللفتاوي "حملتنا هذه الحافلة أثناء إخراجنا من قرانا في النكبة، سنحافظ عليها حتى نعود بها بعد التحرير".
 
وحطت عائلة اللفتاوي ومعظم عائلات قرى غرب القدس المحتلة في عدة محطات تهجير منذ نكبة عام 1948 وحتى احتلال الضفة الغربية وشرقي القدس عام 1967.

وكما تنقلت عائلة اللفتاوي بشاحنتها القديمة من لفتا إلى رام الله ثم إلى قرية بيت اكسا الأقرب على قريتهم المهجرة على أمل العودة إلى بيوتهم لكنهم لم يتمكنوا من دخولها فرحلوا إلى أريحا.

وعشية الذكرى السادسة والستين لنكبة فلسطين عرضت بمدينة رام الله حافلة حمراء اللون موديل 1941 وهي أيضا ساهمت في نقل اللاجئين الفلسطينيين أثناء تهجيرهم من المناطق المحتلة عام 1948 إلى مدن وقرى الضفة الغربية. 

‪شعارات ترفض التنازل عن حق العودة على حافلة النكبة‬ (الجزيرة)
‪شعارات ترفض التنازل عن حق العودة على حافلة النكبة‬ (الجزيرة)

حتمية العودة
وتصدر الحافلة مفتاح أسود بحجم ضخم يمثل مفاتيح بيوت الفلسطينيين التي حملوها في صدورهم أثناء تهجيرهم على أمل العودة بعد أيام قليلة. وثبتت على الحافلة لافتات كتب عليها "عودتنا حتمية" و"حق العودة خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو التنازل عنه".
 
وقال عضو اللجنة العليا لإحياء ذكرى النكبة ناصر شرايعة إن عرض هذه الحافلات عمل رمزي لاستحضار مشهد تهجير الفلسطينيين من ديارهم وتعبيرا عن بقاء النكبة في الذاكرة وتمسك اللاجئين بحقهم في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها.

وهُجرت عائلة شرايعة من قرية كفر عانة قضاء يافا شمال فلسطين المحتلة لكن -كما قال- لم يتح لها ركوب الحافلة بل هربت من الموت مشيا في السهول إلى بيت نبالا القريبة ومنها إلى قرية قبيا غرب رام الله ومن ثم إلى قرية شقبا القريبة فدير عمار وأخيرا في مخيم بيرزيت بعد إقامته مطلع الخمسينيات.
 
وتذكر شرايعة (45 عاما) حادثة إصابة جده محمود إبراهيم شرايعة الذي كان يعود متسللا مع بعض رجال قريته ليحضروا المؤن والملابس لعائلاتهم فأصيب بكمين إسرائيلي بشظية لازمت ساقه حتى وفاته قبل سنوات، فيما استشهد عدد من الرجال في حوادث مشابهة.

وعشية إحياء ذكرى النكبة شارك العشرات من الشباب الفلسطيني الذين ارتدوا قمصانا سوداء في رفع 66 مشعلا بعدد سنوات النكبة، فيما حمل آخرون مفاتيح ترمز لحق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها.
 
وساهمت العصابات الصهيونية التي احتلت فلسطين في النكبة في تهجير حوالي 726 ألف فلسطيني أصبحوا وذريتهم بعدها لاجئين وكانوا يشكلون 75% من الفلسطينيين، وتقدر أعدادهم في مخيمات الشتات حاليا بنحو سبعة ملايين لاجئ.

كما ساهم الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس عام 1967 في تهجير أكثر من مائتي ألف إلى الدول العربية وسموا فيما بعد بالنازحين. وعلى إثر النكبة دمرت إسرائيل حوالي 531 قرية ومدينة فلسطينية بعد تهجير سكانها، وأقامت على الكثير منها أحياء ومستوطنات يهودية بأسماء مختلفة. 

المصدر : الجزيرة