نورا.. أصغر معتقلة سورية اتهمت بالإرهاب

تستعد نورا لإكمال دراستها الثانوية بعد تسعة أشهر من الاعتقال التعسفي.
نورا تستعد لإكمال دراستها الثانوية بعد تسعة أشهر من الاعتقال التعسفي (الجزيرة)

علاء الدين عرنوس-دمشق

في معمعة الأوضاع الميدانية على الساحة السورية، تضيع الكثير من القصص تحت وطأة ما اعتقد البعض أنه خبر يستحق المتابعة، حيث تمتلئ الشاشات بأشرطة إخبارية مكثفة في وقت تغيب قضايا قد تكون أكثر أهمية.

يحدث كل هذا أمام ناظري نورا (17 عاما) وهي تتابع الشاشة الصغيرة، دون أن تصدق أنها قضت 285 يوماً بوصفها واحدة من أصغر المعتقلات السوريات اللواتي سجنّ في عهد الثورة السورية، تنقلت خلال هذا الاعتقال بين سبعة أفرع ومراكز أمنية في رحلة عذاب، قدّر لها أن تنتهي بإطلاق سراحها في نهاية فبراير/شباط الماضي مع والدتها وأخيها الأصغر بالبراءة من أي تهمة أو جريمة.

في قسم النساء بسجن عدرا، أعدت نورا أغراضها لتغادر الزنزانة أخيراً بعد تسعة أشهر من الاعتقال في سجون البالغين إثر قرار قاضي التحقيق الأول بتبرئتها لنقص الأدلة، ودون أن يلحظ أحد قط الإجراءات القضائية المغلوطة بحق قاصر لم تتجاوز السبعة عشر عاماً.

وكانت قوة أمنية قد اعتقلت الفتاة مع والدتها وشقيقها الأصغر من منزلهم في أحد أحياء دمشق الجنوبية، تنقلوا خلال تسعة أشهر سبع مرات بين المراكز والأفرع الأمنية بتهمة مساعدة الإرهابيين وتقديم التسهيلات لهم.

تتذكر نورا -في حديثها للجزيرة نت- اللحظات الصعبة خلال فترة التحقيق في فرع فلسطين حيث قضت ثلاثة أشهر داخل السرية 235 التابعة له، وتعترف بأنها تعرضت للشتم بعبارات نابية لا تناسب سنها من المحققين، وبشيء من الأسى تتطرق لساعات التحقيق المتقطعة وصعقها لمرات بالعصا الكهربائية، لكن "كل القسوة لم تعادل مشهد آثار الضرب الواضحة على جسد أمي حين عدتُ للزنزانة، كانت الزنزانة صغيرة لا تتجاوز مساحتها الخمسة أمتار، ومع وجود عشر معتقلات أخريات كانت مسألة العناية بوالدتي أمراً صعباً"، تقول نورا.

والدة نورا تقول إنها قضت أغلب فترة السجن مع ابنتها في زنزانة واحدة باستثناء فترات التحقيق والأيام الأولى للاعتقال، بينما كان الضباط يستخدمون طفلها محمد لأعمال التنظيف في مكاتب وحمامات التحقيق

أم نورا
تقول (إ.م) والدة نورا إنها قضت أغلب فترة السجن مع ابنتها في زنزانة واحدة باستثناء فترات التحقيق والأيام الأولى للاعتقال، بينما كان الضباط يستخدمون طفلها محمد لأعمال التنظيف في مكاتب وحمامات التحقيق.

تتذكر الأم أن السجّانين سمحوا لها برؤية ولدها المسجون أيضاً داخل الفرع لثلاث مرات، وتقول "أشعر أنني مدينة لذلك الرجل الطاعن في السن حين سمح بمقابلة طفلي أكثر من مرة، لقد فعل ذلك بعيداً عن أعين رؤسائه".

عانت الأسرة من التيفوئيد ونقص الصفيحات في الدم، فضلاً عن حالات تسمم متعددة ناتجة عن سوء التغذية ورداءة الطعام، فقد اقتصرت الوجبة اليومية في أحيان كثيرة على حبة بطاطس ورغيف خبز.

ورداً على سؤال عمّا إذا تعرضت الفتاة لتحرشٍ من أي نوع، تجيب الأم بأن الأمر اقتصر على توجيه الشتائم والتحقير خلال التحقيق وأثناء إحدى مقابلاتها مع مدير الفرع.

وتضيف "لم أستوعب فكرة أن توجد ابنتي القاصر بين سجينات ناضجات يتعرضن لمواقف بالغة القسوة، ورغم أن سنها الصغيرة عرضتها لمضايقات أقل قياساً بحجم الانتهاكات مع المعتقلات، فإنها تبقى تجربة لا يرغب أحد ما في استعادتها".

يشكل سجن عدرا المحطة الأخيرة للكثير من المحكومين أو الذين هم في طور إجراءات إطلاق السراح، ويقدر عدد المعتقلات غير المحكومات في قسم النساء بحوالي 300 معتقلة ينتظرن البت في أوضاعهن من قبل محكمة الإرهاب

سجن عدرا
تروي أم نورا حكاية الأيام الأخيرة في سجن عدرا، وتتذكر كيف تسبب الإهمال في مقتل جنين أنجبته إحدى المعتقلات الحوامل، دون أن تسمح إدارة السجن بتحويلها للمستشفى، والاكتفاء بممرضة السجن وبعض الأدوية البسيطة.

وعمّا إذا قابلت خلال فترة الاعتقال أي ممثلين عن منظمات حقوقية أو إنسانية، تجيب بالنفي، وتستطرد أنها التقت بسجينة لبنانية ناشطة في حقوق الإنسان تدعى علياء قانصو، فضلاً عن معتقلات أخريات من بعض الجنسيات العربية، معتبرةً أن "السجن جسد وحدة وطنية وعربية بالمعنى المجازي".

يشكل سجن عدرا المحطة الأخيرة للكثير من المحكومين أو الذين في طور إجراءات إطلاق السراح، ويقدر عدد المعتقلات غير المحكومات في قسم النساء بحوالي 300 معتقلة ينتظرن البت في أوضاعهن من قبل محكمة الإرهاب.

ويتخوف العديد من الحقوقيين من تضاؤل فرص مساعدة القاصرين أمام منع المنظمات العاملة في هذا المجال من متابعة شؤونهم.

وعن ذلك يقول الحقوقي والناشط السوري في مجال حقوق الإنسان السيد سامر الخولي إن السلطات انتهكت الاتفاقيات الموقعة مع منظمات حقوق الإنسان والطفل المتعلقة بهذا المجال.

ويعرب الخولي للجزيرة نت عن أسفه حيال تجاوزات محكمة الإرهاب، "حيث يبقى البت بشؤون القاصرين من اختصاص محاكم الأحداث أو المحامي العام، فيما ينظر بالمقابل مجلس القضاء الأعلى في انتهاكات القضاة وعزلهم في انتهاكات بمثل هذا الحجم".

المصدر : الجزيرة