المرأة ضحية الحرب في جنوب السودان
في أواخر العام الماضي وأثناء اشتعال المواجهات في عاصمة جنوب السودان جوبا، وجدت سوزان بول نفسها وجها لوجه أمام مجموعة من الرجال المدججين بالسلاح ينتمون لقوات المتمردين التي انشقت عن جيش جنوب السودان.
احتضنت سوزان أطفالها والرعب يملؤها، فقد أصبحت أمام خيارين: إما الموت أو تنفيذ ما طلبه أحد الرجال بالتقدم عشر خطوات والتجرد من ملابسها.
اختارت الخيار الثاني ورفضت الأمر الصادر إليها، فدفعها أحد المسلحين وأوقعها أرضا وتم اغتصابها بالقوة بعد أن جردها من نصف ملابسها.
قصص مروعة
تقول سوزان التي هربت فيما بعد من مدينة بور بولاية جونقلي إلى العاصمة جوبا وهي تذرف الدمع خلال حديثها للجزيرة نت "اغتصبني الجندي أمام أطفالي الذين علا صراخهم".
وصمتت لبرهة ثم واصلت حديثها قائلة "في السنوات القادمة سيعرفون أن الذي حدث كان اغتصاباً لوالدتهم، حينها لا أعرف كيف سيتعاملون مع الأمر".
ثم قالت وهي تمسح دموعها "أن يتم اغتصابك دون قتلك خيار سيكون الأفضل لكل النساء اللائي تعرضن للاغتصاب في هذه الحرب اللعينة التي اجتاحت مناطق واسعة من البلاد".
"المرأة تتعرض الآن لأبشع أنواع الانتهاكات".. بهذه العبارة افتتحت رئيسة الاتحاد العام للمرأة في جنوب السودان سارة جيمس حديثها، وقالت للجزيرة نت إن الحرب الدائرة الآن جعلت الكثير من النسوة يتعرضن للاغتصاب والانتهاك الصادم لحقوق الإنسان وكرامتهن.
وأضافت "لا نملك حتى الآن أي إحصائية باستثناء 15 حالة لنساء تعرضن للاغتصاب في مدينة بور بجونقلي، وما زلنا نعمل الآن على تقصي الحوادث التي حدثت في بقية المناطق".
وأشارت سارة إلى أن الإحصائيات الشبه الرسمية تشير إلى وجود نحو 76 ألف امرأة مشردة حاليا في مخيمات النازحين بسبب الحرب.
توثيق الكارثة
واتهمت بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان قوات الحكومة والمتمردين بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان منذ بدء النزاع المسلح، وقالت في تقريرها إن هذه الانتهاكات تتمثل في القتل العمد على أساس الهوية الإثنية، واستهداف النساء واغتصابهن.
وتشير وكيلة وزارة النوع والطفل والشؤون الاجتماعية بجنوب السودان أستير أيكيري إلى أن وزارتها تستقبل حالياً العديد من الشكاوى المتعلقة بانتهاكات فظيعة ضد المرأة في مناطق النزاع، وقالت للجزيرة نت إن الوزارة تقوم بتوثيق تلك الحالات ودراستها والتنسيق مع المنظمات الحقوقية والإنسانية من أجل وضع الترتيبات التي تجعل تحقيق العدالة ممكنا.
وبحسب الكثير من النساء فإنه لا يوجد شيء يدفعهن إلى الاحتفال باليوم العالمي للمرأة هذا العام، وقد اختار بعضهن عبارة "المرأة تدعو إلى السلام والعدالة" لتصبح شعاراً رمزياً يعكس عمق أزمتهن الإنسانية والنفسية بسبب الحرب الدائرة في البلاد.
غياب العدالة
وتقول ميري شارلس -وهي صحفية متخصصة في شؤون المرأة بجوبا- إن غياب العدالة أحد العوامل الهامة التي تلعب دوراً في استمرار انتهاك حقوق النساء بجنوب السودان.
وتؤكد ميري في حديثها للجزيرة نت أنه حتى في أوقات السلم يتم التساهل مع مرتكبي جريمة الاغتصاب ضد النساء في القرى البعيدة لغياب آليات تطبيق القانون هناك، مضيفة "نحتاج إلى وقت طويل لمحاربة هؤلاء، لأن بعض المفاهيم المجتمعية ترسّخ المسألة".
وفي رسالتها إلى نساء جنوب السودان بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، قالت السفيرة الأميركية في جوبا سوزان بيج إن الأزمة الراهنة التي تمر بجنوب السودان تركت أثرا كبيراً على المرأة، مضيفة أن هذا يحتم على النساء أن ينضموا إلى مسيرة الكفاح من أجل المساواة في الحقوق، والضغط من أجل جلب السلام.