جين صافوط.. قرية فلسطينية تصارع "مملكة زوهر"

عاطف دغلس-قلقيلية

يخرج الحاج الثمانيني محمود عبد الحافظ (أبو حسام) عن صمته كلما نظر إلى أرضه التي يحاصرها الاستيطان، وتعكس تأملاته بها ونظراته الثاقبة عنفوانا يعيده 33 عاما إلى الوراء، عندما كاد يدفع روحه ثمنا لها بعدما هاجم "عرّاب" الاستيطان الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية المدعو موشي زوهر، يريد قتله.

لم ينس الحاج أبو حسام -وهو من قرية جين صافوط شمال الضفة الغربية- رغم تعاقب السنين حكاية صموده في أرضه، وكيف هجم على زوهر الذي شاء له القدر أن يعيش بعكس ما كان يرجوه أبو حسام، حيث استعاد وعيه وتلقى العلاج وازداد شراسة في السطو على أراضي الفلسطينيين.

ويروي أبو حسام للجزيرة نت حقيقة ما جرى بينه وبين زوهر أواخر العام 1983 فيقول "احتد الجدل بيني وبين زوهر كالعادة، وكررت طلبي منه الخروج من أراضي القرية وأن يتركنا وشأننا".

لكن زوهر رفض وواصل التحدي والاعتداء على أبو حسام ووالده، تارة بالتهديد بالسلاح وأخرى بإغرائهم بدفع أموال طائلة ثمنا لأرضهم، وكان الجواب دائما بأنهم "لن يبيعوا ذرة تراب واحدة منها"، الأمر الذي كان يصعق المستوطن ويذهله.

مستوطنات إسرائيلية قريبة من قصرعرّاب الاستيطان موشي زوهر (الجزيرة نت)
مستوطنات إسرائيلية قريبة من قصرعرّاب الاستيطان موشي زوهر (الجزيرة نت)

ثمن الأرض
وعندما اختار زوهر القوة للاستيلاء على الأرض، تصدى له أبو حسام بجسده ودار بينهما عراك شرس، فاستل أبو حسام معوله وضرب به زوهر بروح المدافع عن حقه في أرضه، فأصابه بطعنات في جسده أدت إلى مقتله كما ظن أبو حسام- "فقد تركته مضرجا بدمائه".

وفي اليوم نفسه اعتقلت قوات الاحتلال أبو حسام وحكم عليه بالسجن المؤبد مرتين، لكن الاحتلال اكتفى بسجنه ست سنوات بعد تقديم تقارير صحية للمحكمة تؤكد تدهور صحته، إضافة إلى عدم مقتل زوهر.

ولم يتوقف نشاط المستوطن، فواصل تهويد الأرض بدعم من سلطات الاحتلال وجيشها، وواصل محاولات استغلال الفلسطينيين والاحتيال عليهم لسرقة أراضيهم.

وادعى المستوطن زورا امتلاكه أراضي صادرها بالقوة وحوّلها إلى ما أطلق عليها اسم "مملكة السامرة" (الضفة الغربية)، كما أطلق على نفسه اسم "ملك السامرة"، وشيّد قصرا فوق جبل بأكمله.

وامتدت مملكته لاحقا إلى جبال قرية جين صافوط عندما أقام مستوطنات عدة منها رماد جلعاد (آثار جلعاد)، تخليدا لذكرى نجله الذي قتل في عملية فدائية أثناء انتفاضة الأقصى عام 2000.

يقول المواطن الفلسطيني عيد عبد الرازق إن ما سهّل الاستيطان وتهويد أراضي قريتهم جين صافوط، هو تصنيف الاحتلال لها بأنها مناطق حرجية وحقول ألغام وأراض مسجلة باسم الحكومة الفلسطينية قبل عام 1948.

وبناء على ذلك صادر الاحتلال سبعة آلاف دونم من أراضيها (الدونم يساوي ألف متر مربع) من أصل نحو 17 ألف دونم، حيث تقام في محيطها الآن ست مستوطنات.

عبد الرازق: الاحتلال طوق جزءامن أرضي بالأسلاك الشائكة (الجزيرة نت)
عبد الرازق: الاحتلال طوق جزءامن أرضي بالأسلاك الشائكة (الجزيرة نت)

تضليل
واستطاع عبد الرازق إثبات ملكيته لأرضه وانتزاعها من بين أنياب زوهر بقرار من المحكمة الإسرائيلية، ورغم ذلك طوّق الاحتلال جزءا منها بالأسلاك الشائكة وحرمه من دخولها إلا بتنسيق أمني مسبق.

ويؤكد الناشط ضد الاستيطان والجدار في منظمة التحرير الفلسطينية ساهر عيد حقيقة ما جرى ويجري في قرية جين صافوط، مشيرا إلى "عمليات تضليل" كبيرة اتبعها المدعو زوهر بدعم رسمي لتوسيع الاستيطان في المنطقة التي تعد الثانية في التهويد بعد القدس.

وأضاف عيد للجزيرة نت أن زوهر ومعه مجموعات وشركات استيطانية اتبعوا أساليب "قذرة" في الاستيلاء على الأرض، أهمها التزوير والطرق الالتفافية والاحتياجات الأمنية للمستوطنات.

وما هو أخطر من زوهر ومستوطناته هو ملاحقة الاحتلال لأهالي القرية وإخطارهم بهدم منازلهم (تسلموا 90 إخطارا حتى الآن)، بحجة الخروج عن المخطط الهيكلي للقرية البالغ 502 دونم فقط.

ولا تزال دعوة قضائية رفعها زوهر ضد أبو حسام يطالبه فيها بتعويضه بأكثر من مليون دولار، تشكل غصة في قلب أبو حسام والأهالي هناك.

المصدر : الجزيرة