لبنان يدخل متاهات تعويضات متضرري الاشتباكات

طرابلس نالت حصة الأسد تعويضا عن أكثر من 30 جولة من القتال في طرابلس باب التبانة في أكتوبر 26 2014
مدينة طرابلس نالت حصة الأسد من التعويضات حيث شهدت أكثر من ثلاثين جولة قتال (الجزيرة)

علي سعد-بيروت

يبدو أن مبلغ 174 مليار ليرة لبنانية (113 مليون دولار) -وهو تعويضات الدولة اللبنانية لمتضرري التفجيرات وعمليات الاغتيال والاشتباكات في البلاد منذ عام 2004- كبير، خاصة إذا وضع في الحسبان أنه لا يشمل عدوان 2006 وأضرار السيول والفيضانات السنوية.

ولعل أبرز دلالات هذا الرقم حجم العمليات العسكرية التي استباحت الأراضي اللبنانية على مدى السنوات العشر الماضية، ابتداء من محاولة اغتيال النائب مروان حمادة عام 2004، مرورا باغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري عام 2005، وقيادات من قوى 14 آذار، وصولا إلى تفجيرات الضاحية الجنوبية وطرابلس ونحو ثلاثين جولة قتال في المدينة.

وحسب دراسة للشركة الدولية للمعلومات التي كشفت عن رقم الـ113 مليون دولار، نالت طرابلس حصة الأسد بتخصيص نحو 94 مليار ليرة، وهو ما يمثل 54% من قيمة المبالغ التي دفعتها الهيئة العليا للإغاثة، بينما نالت الضاحية الجنوبية تعويضات بلغت نحو عشرين مليار ليرة.

تضرر مبان محيطة بسفارة إيران في انفجار استهدفها (الجزيرة)
تضرر مبان محيطة بسفارة إيران في انفجار استهدفها (الجزيرة)

محسوبية الدفع
وبرز في موضوع التعويضات سرعة دفعها، وينسب محمد شمس الدين -وهو أحد معدي الدراسة- سرعة الدفع إلى أن المناطق التي طالتها الأضرار محسوبة على جهات سياسية معينة.

وأشار إلى أن المسح أجري عبر أجهزة الهيئة أو الجيش اللبناني بسرعة ليصار إلى توزيع التعويضات في إطار سياسي أكثر منه إطار الإسراع في دفع تعويضات عن أضرار.

ويعتقد شمس الدين في حديثه للجزيرة نت أن المبالغ المدفوعة تفوق كثيرا قيمة الأضرار الحقيقية، وعزا الأمر إلى ضغط الجهات السياسية التي ترعى المناطق التي طالتها الأضرار.

أموال الدولة
وغالبا ما يشتكي المواطنون من تأخر تعويضات الدولة أو عدم وصولها، خاصة في حالات الكوارث الطبيعية كالسيول والفيضانات.

ورأى شمس الدين أن دخول السياسة في هذا الموضوع جعل كل شيء ممكنا على مستوى تسريع عملية التعويض، وعزا شكوى الناس إلى شخصية المتضرر التي تنحو دائما نحو المطالبة بالمزيد كلما تعلق الأمر بدفع تعويضات من قبل الدولة.

وعلمت الجزيرة نت أن قيمة التعويضات ارتفعت مؤخرا بعدما دفعت الهيئة العليا للإغاثة مبلغ سبعين مليار ليرة كتعويضات عن جولتي الاشتباكات الأخيرة في طرابلس، لتتخطى قيمة التعويضات 240 مليار ليرة لبنانية أي ما يعادل 160 مليون دولار.

ويرى معدو الدراسة أنه كان على الدولة اللبنانية أن ترغم المتقاتلين أو داعميهم على دفع قيمة الأضرار التي تسببوا بها، خاصة في المعارك والأحداث، حيث كانت هوية القاتلين أو المحرضين معروفة.

باحثون يقولون إن سرعة دفع التعويضات بلبنان تعود للمحسوبية المناطقية (الجزيرة)
باحثون يقولون إن سرعة دفع التعويضات بلبنان تعود للمحسوبية المناطقية (الجزيرة)

ثقافة الفساد
لكن الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي يعتبر أنه لا أحد يستطيع أن ينفي أهمية دور الدولة تجاه المجتمع، أو يعمد إلى تبرئتها أو إعفائها من مسؤولياتها، معتبرا أن تقاعس شركات التأمين التي لا تغطي الحروب أو أي جهة متورطة لا يعفي الدولة التي هي أساس بناء أي مجتمع وازدهاره.

ويضيف يشوعي في حديث للجزيرة نت أنه من حيث المبدأ لا مشكلة أن تدفع الدولة، لأن المتضرر لا علاقة مباشرة له بكل ما حصل ولم يشارك في الأعمال التي أدت إلى هذا الدمار.

ولا ينفي يشوعي أن تكون "التعويضات والمبالغ المدفوعة قد تمت على أساس سياسي أو من دون منطق، لأن ثقافة الفساد في لبنان متجذرة وتشمل الجميع"، معتبرا أنه "يحق للبناني أن يفكر بأسباب أي خطوة نزيهة يقوم بها مسؤول ويسأل عن خلفياتها وعن المطلوب تمريره من ورائها وأي قاعدة شعبية يريدون إرضاءها".

المصدر : الجزيرة