"الأخ الكبير" في مصر يعتقل حاملي "1984"

غلاف الرواية
غلاف الرواية التي أصبح حاملها يُجرّم في مصر (الجزيرة)

يوسف حسني-القاهرة

لم يكن الكاتب البريطاني إريك آرثر بلير -الشهير باسم جورج أورويل- يعلم أنه سيأتي يوم تصبح فيه حيازة روايته "1984" المنشورة أواخر أربعينيات القرن الماضي، سببا في اعتقال طالب جامعي مصري عام 2014.

ولم يدرك الطالب محمد (21 عاما) وهو يقترب من بوابة جامعة القاهرة أن "الأخ الكبير يراقبه" كما قال أورويل، إلا عندما وجده رجال الأمن متلبسا بحيازة الرواية التي لم يكن هو -ولا غيره- يعلم أن حيازتها باتت تهمة قبل هذه اللحظة.

الغريب أن وينستون -بطل رواية 1984- لم يدرك معنى الابتسامة التي يخفيها الأخ الكبير تحت شاربيه إلا بعد 40 عاما، وذلك عندما استقرت رصاصة ذلك الأخ في رأسه. والأغرب أنه بعد نحو 70 عاما من موت هذا البطل، لا يزال "الأخ الكبير" يخشى أن تشيع قصته.

وأكد مدير مباحث الجيزة اللواء محمود فاروق أن الخدمات المعنية بمراقبة الحالة الأمنية في محيط جامعة القاهرة ألقت القبض على الطالب وبحوزته رواية تتحدث عن دكتاتورية الأنظمة العسكرية، وهاتف محمول، ودفتر به معلومات عن الخلافة الإسلامية، فحرر له محضرا وأحيل إلى النيابة العامة.

اعتقال الطالب جعل نحو 300 ألف مصري يسارعون للبحث عن الرواية التي حققت رواجا عالميا، وترجمت لأكثر من ستين لغة، وتدور أحداثها حول استبداد الأنظمة العسكرية الشمولية

اعتقال وإقبال
اعتقال هذا الطالب جعل نحو 300 ألف مصري يسارعون للبحث عن الرواية التي حققت رواجا عالميا، وترجمت لأكثر من ستين لغة، وتدور أحداثها حول استبداد الأنظمة العسكرية الشمولية وضربها بقيم العدالة والإنسانية عرض الحائط في سبيل استمرارها.

وعجت مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) بالتهكم والسخرية، حتى إن علياء سعيد (18 عاما) كتبت متهكمة "من جورج أورويل إلى السلطات المصرية: نشكركم على حسن تعاونكم معنا وجعل روايتنا الأكثر قراءة في مصر". كما كتبت أخرى "لدي أربع نسخ من هذه الراوية، فإلى أين سأذهب؟".

أما مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد فكتب في تغريدة على تويتر "ضبط طالب بمحيط جامعة القاهرة بتهمة حيازة رواية 1984 لجورج أورويل.. ربنا يستر، الرواية عندي، ورواية ثانية لنفس الكاتب اسمها: ابنة القس".

وكتب المتحدث السابق باسم "حركة 6 أبريل" ومؤسس تيار "25/30" محمود عفيفي يقول "أنا لسة مخلصتش قراءة رواية 1919.. ألحق أهرب بيها ولا أعمل إيه؟"، في حين علقت الحركة بقولها "سنحاربهم بالمعرفة".

وتم تدشين وسم (هاشتاغ) بعنوان "جورج أورويل"، وآخر بعنوان "رواية 1984″، وكتب فيهما المشاركون أجزاء من الرواية التي باتت مقصد كثيرين.

‪حسام عقل يحذر من المثقفين المخبرين‬  (الجزيرة نت)
‪حسام عقل يحذر من المثقفين المخبرين‬  (الجزيرة نت)

قمع الفكر
أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة سيف الدين عبد الفتاح فعلق على الواقعه قائلا "إن السلطة الفاشية كلما سعت لحجب شيء انتشر بقوة، وربما ما كان له أن ينتشر بهذه السرعة والقوة إلا لرغبة السلطة ذاتها في منعه".

ودفع الخوف من تفعيل ما سماها أورويل "شرطة الفكر" التي كانت أكثر ترهيبا للمواطن من سيارات الشرطة أو "الخنافس الزرقاء" كما وصفتها الرواية، أستاذَ النقد والأدب المقارن بجامعة عين شمس وعضو حزب البديل الحضاري حسام عقل إلى القول "ما دام الفكر سيواجه بالقمع فعلى كل مثقف أن يتخلص من مكتبته إذن".

وفي حديثه للجزيرة نت أبدى عقل استياءه من "المثقفين المخبرين" لأن أفراد الشرطة "لم يقرؤوا الرواية ولا يعرفون مضمونها، لكن أحد المثقفين المتواصلين مع الأمن هو الذي حذرهم من انتشارها".

ويرى عقل أن النظام الذي يضيق بكتاب هو "نظام هش وساقط لا محالة"، إلا أنه يرى أيضا أن مصر تتراجع إلى عصور الظلام، وأن هذا التراجع سيكون ثمنه باهظا، و"حادثة كهذه تؤكد أن النظام يخشى الثقافة والمثقفين، ويدفع بالجواسيس في كل الأوساط حتى الفكرية منها، ومن ثم فإن حرية التعبير في خطر يدعو للخوف من القادم". 

المصدر : الجزيرة