مكلومو غزة ينتصرون على أحزانهم بـ"الأضحى"

سالم يشارك في ذبح أضحيته للتأكيد على استمرار الحياة رغم الألم.
سالم شعت يشارك في ذبح أضحيته للتأكيد على استمرار الحياة رغم الألم (الجزيرة)

محمد عمران-غزة

جسد عيد الأضحى المبارك قدرة عائلات فلسطينية مكلومة في غزة على تجاوز مصابها والاحتفال بالعيد سواء بشراء وذبح الأضاحي، أو زيارة الأرحام والأصدقاء، وحتى مصاحبة الأطفال للعب واللهو في الحدائق العامة والمتنزهات.

ورغم وجعها وألمها لفقدان أحبائها أو تعرض منازلها وممتلكاتها للدمار خلال العدوان الأخير على القطاع، فإن هذه العائلات المفجوعة أصرت على الابتهاج بعيد الأضحى هذا العام كالأعوام السابقة، على الرغم من اختلاف الظروف.

سالم شعت (أبو خميس) الرجل الخمسيني تعرضت عائلته لمجزرة إسرائيلية استشهد خلالها ثلاثة من أبنائه أحمد ومحمد وأمجد (22 و21 و17 عاماً)، بينما أصيب هو وزوجته وطفله، وسلم ابنه الأكبر لغيابه عن المنزل لحظة قصفه بخان يونس جنوب القطاع.

سالم شعت: ربنا أعطاني خمسة أبناء وأخذ ثلاثة منهم فلماذا البكاء؟(الجزيرة)
سالم شعت: ربنا أعطاني خمسة أبناء وأخذ ثلاثة منهم فلماذا البكاء؟(الجزيرة)

لماذا البكاء؟
وبينما غابت زوجته -لأول مرة منذ زواجهما- في عيد الأضحى لسفرها للعلاج من إصابتها بتركيا، اصطحب سالم ابنيه لأداء صلاة العيد في العراء، قبل أن يتوجهوا جميعا إلى منزل شقيقه للمشاركة في ذبح أضحيته، استعداداً لزيارة أرحامه وتوزيع اللحوم عليهم.

وكان لمشهد الذبح وقع خاص على أشقاء وأقارب سالم، حيث فوجئوا به يصر على الذبح بنفسه والمشاركة في سلخ وتقطيع الأضحية، كما جرت العادة في كل عيد، رغم إلحاحهم عليه بالاكتفاء بالمشاهدة. وفي نظره لم يتغير شيء، فلماذا يجلس هذه المرة؟

وللخروج من حالة السكون التي أصابت المكان، حمل سالم ابنه وسيم (8 أعوام) وأجلسه على العجل بعد ذبحه، بينما انشغل هو بالسلخ بالحرفية الكبيرة التي اعتاد عليها، موجهاً كلامه للحضور "ربنا أعطاني خمسة أبناء وأخذ ثلاثة منهم، فلماذا البكاء؟".

وأكد أبو خميس أنه أصر على شراء الأضحية ليشجع أشقاءه على ذلك، حيث علم أنهم لن يضحوا تكاتفا منهم مع مشاعر حزنه، معتبراً أن العيد فرصة للفرح والسعادة، ولا يمكن أن يتحول إلى حزن ومأتم.

وقال للجزيرة نت إن زوجته هي الأخرى تمتلك نفس الإصرار على المضي قدماً بالحياة والاحتفال بالعيد، حتى إنها أبلغته عبر الهاتف المحمول بخروجها مع أحد قرابتها للتنزه في حديقة المستشفى، لافتاً إلى أن كثيرين من عائلات الشهداء احتفلوا بالعيد رغم حزنهم وجرحهم.

مغالبة الحزن

أفنان وأبرار تقضيان أيام العيد باللعب على أنقاض منزل عائلتهما المدمر(الجزيرة)
أفنان وأبرار تقضيان أيام العيد باللعب على أنقاض منزل عائلتهما المدمر(الجزيرة)

أما سليم الأسطل (أبو محمود) الذي استشهد اثنان من أبنائه قبل تدمير طائرات الاحتلال منزله المكون من ثلاثة طوابق، ويعيش في منزل متواضع لأحد أقاربه، لم يذهب إلى المقبرة لقراءة الفاتحة على روحي الشهيدين، كما توقع أبناؤه وأقاربه خلال أيام العيد، لكنه حاول إدخال الفرحة على أفراد عائلته لمساعدتهم في الخروج من حالة الحزن التي لم تغادرهم منذ استشهاد محمد وخالد (26 و24 عاماً).

ذبح أبو محمود أضحية العيد، واصطحب أولاده لزيارة أقاربه وتوزيع اللحوم في اليوم الأول، بينما فضل أن يبقى بين عائلته بقية أيام العيد، يداعب الصغير ويضحك مع الكبير، يشجعهم على اللعب تارة، ويشاركهم أحاديثهم تارة أخرى حتى نجح في إدخال السرور إلى قلوبهم وإزالة الحزن من صدورهم ولو لأيام، كما قال.

وأضاف للجزيرة نت أنه اتفق مع زوجته على ألا تبكي أمام أبنائه مهما غالبتها مشاعر الحزن، "لأن الإسلام يحثنا على الفرح بالعيد، ومن غير المقبول أن نحزن في يوم الفرح".

وتترجم كلمات وسلوكيات أبو محمود مع ابنتيه التوأم أفنان وأبرار -وهما يلعبان أمام منزلهما المدمر غير عابئتين بمشهد الدمار- ما اعتبرها محاولة جادة لمقاومة الاحتلال عبر تجاوز مرحلة الحزن، لأنه يستهدف بث روح الإحباط واليأس بين الفلسطينيين، وبالتالي "فالفرحة انتصار للفلسطينيين وهزيمة للمحتل".

المصدر : الجزيرة