بريف اللاذقية.. التفحيم يفني الغابات ويعيل السكان

مشحرة لتحويل الحطب إلى فحم
undefined

عمر أبو خليلريف اللاذقية

ضاقت سبل الحياة بأبناء ريف اللاذقية المحرر، بعدما حاصرت قوات النظام المنطقة وقطعت طرق المواصلات ومنعت إدخال المواد الغذائية إليها وقصفت بساتين الفاكهة فأحرقتها، انقطعت مصادر دخلهم تماما وراح الجوع يهدد حياتهم.

لجؤوا لقطع أشجار الغابات التي أحرقها النظام، خزنوا أكثرها للتدفئة والاستعمال المنزلي، وباعوا القليل لشراء المواد الغذائية، ومنهم من قطع أشجار الفاكهة للغاية ذاتها، وفي فصل الخريف قطفوا ورق أشجار الغار وباعوه، لكن كل ذلك لم يكفيهم لتأمين مؤونة الشتاء.

الغابة حياتهم
قصد الفلاحون الغابة مجددا، وهذه المرة للتفحيم حيث يقطعون أشجار السنديان الخضراء ويصنعون منها الفحم، ثم يبيعونه للسماسرة الذين يستغلون حاجتهم فيشترونه بأبخس الأثمان.

"باتت الغابة مصدر رزقنا الوحيد، فمن حشائشها أكلنا، وعلى ورق أشجار الغار عشنا شهرين، واليوم نقطع أشجارها الحية لصناعة الفحم لنطعم أولادنا، لا نريد أن يموتوا من الجوع" يقول للجزيرة نت المهندس الزراعي مهند.

مهند: المعارضة مسؤولة كما النظام عن حرق الغابات وقطعها، سنحاكمهم مثل النظام كل حسب جريمته

وعبر عن حزنه لمصير آخر الغابات في سوريا قائلا "أحرق النظام أكثرها، ونحن نقطع اليوم ما تبقى منها، هذا يهدد البيئة في ريف الساحل". ورأى أن المعارضة مسؤولة كما النظام عن ذلك حيث قطعت عن السكان الإغاثة ولم توفر لهم مستلزمات العيش والصمود، رغم علم السكان بالمبالغ الكبيرة المخصصة لهم، سنحاكمهم مثل النظام كل حسب جريمته" يخلص مهند.

مسؤولية المعارضة
كان التفحيم ممنوعا في عهد النظام، وكان الفلاحون يقومون به سرا في الأودية والنقاط العالية والبعيدة من الجبال عند اضطرارهم، أما اليوم فيصنعون الفحم بالقرب من منازلهم، وعملية التفحيم طويلة وصعبة تحتاج جهدا جماعيا وخبرة عالية لإتمامها بنجاح.

أبو وحيد فلاح أسرته كبيرة وليس لديه مصدر دخل، تحدث للجزيرة نت عن عملية التفحيم وحاجته للقيام بها، وقال "نقطع الأخشاب الرفيعة بشكل قصير ومتساوٍ، نرتبها فوق بعضها على شكل هرم، تغطى بالتراب وتسمى مشحرة، ونترك لها منفذا صغيرا في أسفلها لإشعال النار فيها".

ويتابع أن هذه الأغصان تحتاج لثلاثة أيام كي يتحول الحطب إلى فحم و"يجب أن تخضع للمراقبة المستمرة حتى لا ينهار التراب، فتكتمل عملية الاحتراق ويتحول الفحم رمادا ويضيع تعبنا سدى، عملية شاقة تحرمنا النوم، لكنها لقمة العيش".

لكن زوجته المريضة راحت تشتم المعارضة وتشكيلاتها السياسية، وتتهمها بسرقة مخصصات ومساعدات "الشعب الصابر". وتختم أن المعارضة دفعت الأهالي لهذا العمل الشاق، وتساءلت: أين يذهبون بأموال دعم الشعب السوري المحاصر الذي يعيش تحت القصف؟

الفلاح والسمسار
ويجوب سماسرة تجارة الفحم المنطقة لشرائه من الفلاحين، وغالبا ما يتفق هؤلاء على دفع سعر مخفض يحقق لهم ربحا مضاعفا على حساب جهد الفلاح وتعبه، ويضطر الفلاحون لبيعه بالسعر الذي يقررونه نظرا لعدم قدرتهم على تسويقه بأنفسهم وغلاء تكلفة نقله إلى الأسواق المتاحة.

"أشتري ما ينتجه الفلاحون من الفحم بسعر أراه مناسبا، يكلفني نقله كثيرا، فأنا أدفع لحواجز الفصائل المقاتلة على الطريق ليسمحوا لي بالعبور، أبيعه لمطاعم الشواء وأهرب الباقي إلى تركيا، عمل يكلفنا الكثير وربحه محدود، لكننا نريد أن نعمل" هكذا وصف للجزيرة نت أحد تجار الفحم (أبو الشروق) عملية تسويقه.

وفي تعبير عن حجم المأساة التي يعيشونها، حملنا الفلاحون سؤالا لمن يعنيهم الأمر "كيف نعيش لولا وجودنا في منطقة الغابات؟ فالأخيرة رحمة من الله بنا بعدما خذلنا الجميع".

المصدر : الجزيرة