براميل الموت تحط رحالها في داريّا

براميل الموت تحط رحالها في داريّا
undefined

علاء الدين عرنوس- داريا

أطل العام الجديد، ولم تسمع أجراس الكنائس في داريا، فقد غطى دوي انفجار البراميل المتفجرة على كل صوت في المدينة المحاصرة مثلها مثل العديد من المناطق التي يستهدفها هذا السلاح الفتاك الذي لا ينجو من نيرانه أحد ولا يفرق بين الكبار والصغار، فقد كان آخرها تلك البراميل التي ضربت كنيسة الروم الكاثوليك وسط المدينة، مخلفة ثلاثة جرحى من الأطفال.

فقد انتشرت الشظايا في محيط 300 متر في المكان الذي أصبح خاويا بعدما نزح أغلب سكان المدينة المسيحيين نجاة بأنفسهم من مجازر النظام، إضافة لحفرة يبلغ قطرها المترين في موقع الغارة مما أحدث تصدعات طالت الأبنية المتاخمة التي تحطمت نوافذها وتسببت في جرح ثلاثة أطفال يتخذون من الحديقة مكاناً للعب في أغلب الأوقات.

‪آثار الدمار بكنيسة الروم الكاثوليك‬ (الجزيرة)
‪آثار الدمار بكنيسة الروم الكاثوليك‬ (الجزيرة)

وبحسب شهود عيان، فإن أربعة براميل متفجرة ألقتها المروحيات من ارتفاعات شاهقة، سقطت وسط المدينة أمس الأول، واستهدفت أبنية ذات كثافة سكانية في حارة النصارى ومحيطها عقب تحليق طويل لطائرات الاستطلاع.

ووفق تقديرات الضابط المنشق "أبو شاهين" فإن زنة هذا النوع من براميل الـ"تي أن تي" المتوسطة الحجم يتراوح بين 250 و300 كغ يمكنه أن يدمر مبنىً كاملاً مخلفاً موجة ضغط هائلة، مشيرا إلى أن حجم بعضها يصل إلى ألف كغ تستعمل أساساً لتدمير الدشم والدروع في القطعات العسكرية.

ولم يتوانى النظام السوري عن استخدام هذا النوع من الأسلحة التقليدية على نطاقٍ أوسع مما جلب له انتقادات دولية كثيرة ووصف ما يقوم به بأنه عقاب جماعي ضد عدد من المدن الخارجة عن سيطرته، لاسيما في حلب ودرعا ومؤخراً في داريا المحاصرة.

ونظراً لكونها أسلحة غير موجهة وعديمة التمييز، تصنف هذه البراميل المتفجرة في عداد الأسلحة المحرمة دوليا، خاصة وأن قوات النظام تستخدمها عشوائيا في التجمعات السكانية في مناطق القتال.

‪بيت سلمى يعود تاريخ بنائه لعشرينيات القرن الماضي وأصابه الدمار‬ (الجزيرة)
‪بيت سلمى يعود تاريخ بنائه لعشرينيات القرن الماضي وأصابه الدمار‬ (الجزيرة)

بيت سلمى
وفي حارة النصارى وسط داريّا على مقربة من كنيسة الروم الكاثوليك، تقع أطلال منزل دمشقي قديم، كانت له حصته، كما الكنيسة، من القصف الصاروخي المتواصل على المدينة منذ سنة حتى الآن.

وأمام مشهد الدمار الكبير لمدينة داريّا يتميز "بيت سلمى" بدلالته التاريخية على أصالة المكان فيما تطل شرفاته الخلفية على حديقة كُتب على مدخلها "حديقة الشهيد إلياس شحادة الأمير- من شهداء البرلمان 1945".

"بيت سلمى" كما يعرفه سكان داريّا، يعود تاريخ بنائه إلى عشرينيات القرن الماضي، ويحمل بصمة الفن العمراني الدمشقي في هندسته الفريدة، تتناغم في أساساته أعمدة خشب الجوز والآجر الصلصالي قبل أن تحوله البراميل المتفجرة إلى ركام.

يقول أبو الياس، أحد المسيحيين القلائل ممن بقوا في داريّا، معلقا على حال الدمار "النظام استهدف الجميع مسلمين ومسيحيين خلال قمعه للمظاهرات منذ بدء الثورة في داريا"، مضيفا أن المشاركة الخجولة للحراك المدني في الشارع المسيحي تعود لنزوح غالبية المسيحيين إلى الخارج منذ بدء الأحداث.

ويشكل المسيحيون 10% من سكان داريا ذات الأغلبية السنية، وينسب لهم ازدهار المدينة في صناعة الخشب إلى جانب شهرتها بمحاصيل الكرمة.

‪حديقة مقام أبو سليمان الدّاراني تحولت إلى مقبرة جماعية لشهداء مجزرة داريا‬ (الجزيرة)
‪حديقة مقام أبو سليمان الدّاراني تحولت إلى مقبرة جماعية لشهداء مجزرة داريا‬ (الجزيرة)

أخوة الدم والعنب
ليس بعيدا عن الكنيسة وبيت سلمى التاريخي، يشهد الدمار مرة أخرى على قصف النظام الذي طال مقام "أبو سليمان الدّاراني" الذي يعود إلى عام 215 للهجرة، قبل أن تتحول حديقته الخلفية إلى مقبرة جماعية لشهداء مجزرة داريّا الكبرى في سبتمبر/أيلول 2012.

وتشهد الأطلال والعرائش الخاوية على أناسٍ عاشوا وبعضهم قتل سجلّهم التاريخ في يوم "أخوة الدم والعنب".

المصدر : الجزيرة