معاناة أهالي ضحايا الثورة بتونس تتواصل

جانب من احتجاجات أهالي الشهداء والجرحى على القضاء العسكري
undefined

خميس بن بريك-تونس 

رغم مرور ثلاث سنوات على الثورة الشعبية في تونس فإن عائلات القتلى والجرحى لا تزال تخوض معركة صعبة من أجل الكشف عن حقيقة قتلة أبنائها، وتشكو من غياب محاكمة عادلة من قبل القضاء العسكري الذي يشرف على هذه القضايا.

وبحسب إحصاءات وزارة الداخلية، سقط أثناء التحركات الاحتجاجية التي أطاحت بالنظام السابق في 14 يناير/كانون الثاني 2011 نحو 319 قتيلا وأكثر من 3700 جريح، إلا أن القائمة النهائية لقتلى وجرحى الثورة لم تحدد بعد. 

فاطمة الكسراوي أم فقدت ابنها أشرف في ريعان شبابه (23 عاما) بعدما أردي قتيلا برصاصة في الرأس يوم سقوط الرئيس السابق زين العابدين بن علي، أعربت عن استيائها من "غياب إرادة صادقة" في محاسبة القتلة من قبل القضاء العسكري. 

انعدام الثقة
هذه المرأة خرجت في الذكرى الثالثة للثورة مع مجموعة من عائلات القتلى والجرحى بمسيرة احتجاجية بالعاصمة، رافعة صور أبنائها وشعارات تطالب بالكشف عن الحقيقة، وأخرى تطعن في نزاهة القضاء العسكري التونسي. 

تقول فاطمة للجزيرة نت وقد ارتسمت على وجهها علامات الألم الشديد إنها فقدت الثقة في المحاكمات العسكرية التي تشرف على قضايا قتلى وجرحى الثورة، مؤكدة أن بطء المحاكمات وتأجيل الجلسات زادا من حجم معاناة وألم أهالي الضحايا. 

وبين "لجنة شهداء وجرحى الثورة" بمقر المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) ومقر المحكمة العسكرية بتونس في العاصمة تتنقل فاطمة بعناء عدة مرات سعيا إلى الانتصار لقضية ابنها الصغير الذي قتل أمام بيتها من قبل مسلحين على متن سيارة، وفق روايتها. 

محتجون من أهالي القتلى والجرحى ينددون بالقضاء العسكري التونسي (الجزيرة)
محتجون من أهالي القتلى والجرحى ينددون بالقضاء العسكري التونسي (الجزيرة)

وتقول بلهجة فيها كثير من المرارة "كل مرة أذهب فيها إلى المجلس أو المحكمة العسكرية أعود أدراجي خائبة دون نتيجة"، مشددة على أنها لا تسعى للحصول على تعويض مادي بقدر ما تصر على الكشف عن هوية قتلة ابنها ومحاسبتهم. 

وبشأن تقييم مسار قضية قتلى وجرحى الثورة، يقول رئيس التنسيقية المستقلة للعدالة الانتقالية عمر الصفراوي إن "أهالي الشهداء والجرحى أصبحوا يخوضون معركة الكشف عن الحقيقة بمفردهم بعد أن تخلى عنهم السياسيون". 

وبخصوص سير القضايا في المحاكم العسكرية يقول "هناك عيوب واختلالات كثيرة في الإجراءات التي لا تضمن محاكمة عادلة لعائلات الشهداء الذين منعوا من الحضور للإدلاء بشهاداتهم في طور التحقيق على عكس المتهمين وهيئات دفاعهم".

ويضيف أن "الحكومات المتعاقبة بعد الثورة والقضاء العسكري التونسي لم تعطِ لهذه القضية التاريخية الأهمية التي تستحق من حيث حفظ كرامة الشهداء"، مؤكدا "غياب الإرادة السياسية" في الكشف عن هوية القتلة من الأمنيين والعسكريين. 

وعبّر الصفراوي عن خشيته بعد طول المحاكمات العسكرية من أن تعقد صفقات لترضية عائلات القتلى والجرحى كأن يلقى القبض على بعض الأشخاص كأكباش فداء، أو إغراء أهالي الضحايا ببعض التعويضات المادية لثنيهم عن مطلبهم الرئيسي، بحسب قوله. 

المحتجون طالبوا بمحاسبة المتورطين في جرائم القتل (الجزيرة)
المحتجون طالبوا بمحاسبة المتورطين في جرائم القتل (الجزيرة)

وسعت الجزيرة نت للحصول على تصريح من وزارة الدفاع التي تشرف على إدارة القضاء العسكري، لكنّ مسؤولا بمكتب الإعلام أكد أن القضاء العسكري "مستقل" عن الوزارة، في حين لم يتسنَ الحصول على تصريح من مسؤول بالقضاء العسكري. 

المحاسبة ثم المصالحة
وعن موقف وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية من سير المحاكمات، يقول فوزي الصدقاوي المكلف بهذا الملف في الوزارة إن "الحقيقة لا تزال غير واضحة"، مؤكدا للجزيرة نت أن الكشف عنها أمر لا سبيل لتجاوزه بأي معنى حتى بالتعويضات.

وأكد هذا المسؤول أن قضايا القتلى والجرحى "مشكل معقد جدا"، مشيرا إلى أن تعاطي القضاء العسكري مع هذه القضايا الحساسة بعدما كانت تحت نظر القضاء العدلي لم يرضِ جميع المتقاضين من أهالي الضحايا أو المتهمين.  

وأوضح أن هناك عناصر أمنية متهمة بقتل مدنيين تم اعتقالها، حيث ادعى بعضها براءته، بينما ثبتت التهمة على البعض الآخر، مضيفا أن هناك أمنيين متهمين لكنهم طلقاء، وهو ما يجعل المسألة على درجة من التعقيد وتتطلب الكثير من التدقيق، من وجهة نظره. 

غير أن الصدقاوي أعرب عن تفاؤله من تقدم هذه المحاكمات وكشف الحقيقة مستقبلا في إطار قانون العدالة الانتقالية الذي تمت المصادقة عليه قبل أسابيع داخل المجلس الوطني التأسيسي، وهو قانون يهدف إلى كشف الحقيقة والمحاسبة وجبر الضرر ثم المصالحة.

المصدر : الجزيرة