اهتزت مصر فأصيبت تركيا بالدوار

In this photo provided by Turkish Prime Minister's Press Service,Turkey's Prime Minister Recep Tayyip Erdogan, right, and Egyptian President Mohammed Morsi salute the members of Turkey's ruling Justice and Development Party in Ankara, Turkey, Sunday, Sept. 30, 2012. Morsi is in the Turkish capital to strengthen an emerging alliance between two moderate Islamist governments in a region beset by conflict and instability. Even though Morsi has only been in power for a few months, there are already strong signs a partnership with Turkey is forming, evidenced by a common effort to end Syria's civil war by urging the exit of President Bashar Assad from power.
undefined

تلقت السياسة الخارجية التي تنتهجها تركيا لتصوير نفسها نموذجاً يحتذى في العالم المسلم انتكاسة بعد تدخل الجيش المصري لعزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي بحسب محللين.

فحزب العدالة والتنمية التركي الإسلامي الجذور -الذي واجه مؤخراً أوسع الاحتجاجات ضده في حكمه المستمر منذ عشر سنوات- نسج علاقات وثيقة مع مرسي وحركة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها.

وأدى تدخل الجيش المصري للإطاحة بأول رئيس منتخب في البلاد، إلى إثارة الدهشة في أنقرة التي عملت بجد لتصوير نفسها محركاً إقليمياً وديمقراطية نموذجية في الشرق الأوسط.

وصرح الباحث في مركز كارنيغي أوروبا، مارك بياريني، بأنه "استناداً إلى عملي في الشرق الأوسط أشك في وجود ‘نموذج تركي شامل في نظر المصريين في أي وقت كان".

وتابع أن "النموذج الوحيد الذي يراه المصريون في تركيا هو السياسة الاقتصادية حيث حققت تركيا بالفعل انضباطاً ونمواً منذ 2001".

ففي ظل حكم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، فاز حزب العدالة والتنمية في ثلاث عمليات انتخابية متوالية منذ 2002، فتسلم اقتصاداً واعداً وأنهى حقبة شائكة شهدت حكومات ائتلافية غير مستقرة وتخللتها الانقلابات العسكرية.

وبعد أن كانت حكومة أردوغان أقرب حلفاء إسرائيل في العالم المسلم، عادت واستغلت الفراغ في العالم العربي في أعقاب الثورات الشعبية التي شهدتها المنطقة لتعزيز قوتها الناعمة وتشكيل صورة أكدت أنها ناجحة لنموذج يدمج الديمقراطية والإسلام.

تحييد تركيا
وفي مؤتمر الحزب السنوي في سبتمبر/أيلول، قال أردوغان للحشد الكثيف في أنقرة "أثبتنا للجميع أن الديمقراطية المتطورة يمكنها الوجود في بلد ذي أغلبية مسلمة. أصبحنا نموذجاً يحتذى للدول المسلمة".

على الرغم من الانتقادات الحادة الصادرة عن المسؤولين الأتراك لتدخل الجيش المصري، فإنهم أكدوا أنهم لن يقطعوا العلاقات مع القيادة الجديدة التي تتشكل في مصر بعد الإطاحة بمحمد مرسي

وكان مرسي حاضراً من بين أكثر من مائة ضيف أجنبي في المؤتمر الذي كرس أردوغان رئيساً للحزب للولاية الثالثة على التوالي والأخيرة حيث يتوقع أن يترشح إلى الانتخابات الرئاسية التركية المرتقبة في العام المقبل.

بعد يوم على عزل الجيش المصري مرسي، قطع أردوغان عطلته القصيرة ليعقد اجتماعاً طارئاً مع رئيس استخباراته ووزرائه.

وندد رئيس الوزراء التركي أمس الجمعة بتدخل الجيش المصري قائلاً إن "الذين يعتمدون على السلاح في أيديهم، الذين يستندون إلى قوة الإعلام، لا يستطيعون بناء الديمقراطية. الديمقراطية تبنى في صندوق الاقتراع وحسب".

ورأى أوزديم سانبيرك -الدبلوماسي المخضرم ونائب وزير الخارجية الأسبق- أن تركيا لم تفقد كل المؤهلات لتشكل نموذجاً "لكن تشخيص السياسة الخارجية في حزب العدالة والتنمية للعالم الإسلامي أثبتت خطأها".

وصرح قائلاً "في الشرق الأوسط تم تحييد تركيا. من الواضح أن تركيا باتت لا تعلم خفايا الشرق الأوسط كما تؤكد". فحليفتا تركيا في المنطقة، قطر والسعودية، سارعتا إلى تهنئة خلف مرسي الرئيس الانتقالي عدلي منصور.

وأثناء حكم حزب العدالة والتنمية أنشأت تركيا مجالس شراكة مع سوريا والعراق ومصر.

الحوار هو الحل
لكن علاقات تركيا مع سوريا باتت مقطوعة اليوم بعد قمع حليفها السابق الرئيس السوري بشار الأسد للمعارضة الشعبية لحكمه في بداية النزاع في 2011.

كما أن علاقاتها بالعراق تشهد توتراً مستمراً بعد رفضها تسليم طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي الذي أُدين في بلاده بالوقوف وراء مجموعات قاتلة.

الدرس الذي يمكن استخلاصه من الأشهر الاثني عشر الفائتة في مصر هو أن صندوق الاقتراع لا يمكن أن يحل مشاكل البلاد المعقدة  دون أن يصحبه حوار يشمل مختلف شرائح المجتمع

وقال سانبيرك "إن العمل الدبلوماسي في الشرق الأوسط محفوف بالمخاطر". وتابع "يعود ذلك إلى أن العلاقات لا تنسج مع الشعوب بل مع حكام متسلطين وعندما يسحب البساط من تحت هؤلاء تبرز المشاكل".

لكن على الرغم من الانتقادات الحادة الصادرة عن المسؤولين الأتراك لتدخل الجيش المصري، فإنهم أكدوا أنهم لن يقطعوا العلاقات مع القيادة الجديدة التي تتشكل في مصر بعد الإطاحة بمحمد مرسي.

وأكد المحللون أن ما حدث في مصر بعد أيام من الأحداث الدامية والمظاهرات المطالبة برحيل مرسي يضع العدالة والتنمية وأردوغان في موقع دفاعي، لا سيما بعد المظاهرات الواسعة النطاق ضد الحكومة التركية التي نفذتها أغلبية من الأتراك العلمانيين ضد أسلمة البلاد وأجندة الحكومة التي تزداد تسلطا.

لكن هنري باركي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ليهاي يشدد على أنه ورغم كل ذلك، ما زال حزب العدالة والتنمية حزباً كبيراً و"ما زال فعالاً". وأوضح "من ناحية ما يثبت فشل مرسي نجاح العدالة والتنمية الفريد ويعززه".

وسعى العدالة والتنمية إلى كسر نفوذ الجيش التركي الذي طالما اعتبر نفسه حامي العلمانية التركية ونفذ أربعة انقلابات في نصف قرن، وأودع مئات الضباط في السجن بتهمة التآمر لتنفيذ انقلابات.

لكن الدرس الأول من فشل مرسي الذي ينبغي أن تلاحظه جميع الحكومات والحركات، هو أن حصر الديمقراطية بالانتخابات لا ينفع بحسب المحللين.

وأوضح بياريني أن "الدرس الذي يمكن استخلاصه من الأشهر الاثني عشر الفائتة في مصر هو أن صندوق الاقتراع لا يمكن أن يحل مشاكل البلاد المعقدة دون أن يصحبه حوار يشمل مختلف شرائح المجتمع".

المصدر : الفرنسية