"فوضى الفتاوى" تثير جدلا في الجزائر
ياسين بودهان-الجزائر
تشهد الجزائر خلال الفترة الأخيرة جدلا واسعا حول أسباب وتداعيات ما أصبح يعرف "بفوضى الفتاوى"، خاصة بعد إقبال الجزائريين على فتاوى لعلماء من خارج البلاد، الأمر الذي يعتبره البعض مؤشرا سلبيا على وحدة وتماسك الجزائريين.
غير أن قضية الفتاوى في الجزائر ليست قضية دينية خالصة، بل لها أبعاد سياسية، حيث يخشى البعض استخدام بعض الفتاوى "في فرض آراء سياسية قد تشكل خطرا على النظام العام والمرجعية الدينية الوطنية"، خاصة أن مصادر حكومية ترى أن "فتاوى الخارج" هذه تصدر عن "أشخاص يفتقرون إلى الإلمام الكافي بالمجتمع الجزائري وخصوصيته وظروفه".
وكان وزير الشؤون الدينية والأوقاف بوعبد الله غلام الله قد جدد في تصريحات صحفية اتهاماته للسلفيين بتهديد المرجعية الدينية الوطنية، عبر استيراد فتاوى لعلماء من الخارج يكون محتواها مخالفا لواقع وعادات الجزائريين، وهو ما يؤثر -برأيه- على تماسك ووحدة المجتمع، خاصة أن الغالبية العظمى من الجزائريين تعتمد مذهب الإمام مالك مرجعية في ممارسة الشعائر الدينية، بينما الفتاوى الخارجية قد تأتي من علماء لا يتبعون المذهب المالكي.
لكن الشيخ رواي عبد الفتاح حمداش الناطق الرسمي باسم جبهة الصحوة الحرة (حزب سلفي غير مرخص) سخر في حديثه للجزيرة نت من التهم الموجهة للسلفيين ووصفها بأنها من "المضحكات"، وقال إن حصر أخذ الفتاوى من الخارج بالسلفيين أمر غير واقعي. وأشار إلى أن "تقارير وزارة الأوقاف تشير إلى أن أئمة الوزارة يأخذون الفتاوى عن كبار العلماء، لأن مرجعيات العالم الإسلامي (خارج الجزائر) مستواها رفيع جدا، سواء كانت في السعودية أو مصر أو في سائر البلاد الأخرى".
وقد أثارت ظاهرة الفتاوى الخارجية قلقا كبيرا في الجزائر حتى صارت تدرج ضمن الأزمات التي تعانيها البلاد. وترجع بعض أسباب الظاهرة -برأي البعض- إلى غياب مرجعية فقهية وطنية توفر قاعدة مرنة تتماشى وخصوصية المجتمع الجزائري ووحدته المذهبية، وهو ما أعاد الحديث مجددا عن منصب مفتي الجمهورية الذي أثار لغطا كبيرا حول جدواه.
منصب المفتي
وتقترح الوزارة إنشاء دار للإفتاء يرأسها مفتي الجمهورية، وتعطى له صلاحيات الفتوى في مختلف شؤون الحياة، ويرى مراقبون أن القرار يبقى في النهاية بيد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.
ويرى بعض القائمين على الفتاوى في الجزائر أن استحداث منصب مفتي الجمهورية قد أصبح أمرا ملحا، ومنهم الشيخ شمس الدين بوروبي الذي قال للجزيرة نت إن "هناك العديد من المسائل لم يتم لحد الآن رفع الخلاف فيها، ولابد من وجود مفت للجمهورية لرفع هذه الخلافات ووضع حد للفتاوى المتضاربة".
وأضاف بوروبي أن "هذا الأمر ضروري في ظل تكالب المرجعيات والتيارات على الجزائر"، مشيرا إلى أن "ما شهدته الجزائر خلال مرحلة التسعينيات من موجة عنف كان سببه (…) استيراد الفتوى من دول أجنبية (…) لأن المجتمع الجزائري لا يعرف معنى التعايش مع مذاهب دينية أخرى، عكس دول عربية أخرى مثل مصر ولبنان وسوريا".
وقد حذر مكتب الإفتاء بوزارة الأوقاف على لسان شيخه جلول قسوم في حديث لوكالة الأنباء الجزائرية في وقت سابق، الجزائريين من طلب الإفتاء من علماء وأئمة غير جزائريين، وبرر ذلك بأن "هذا الأمر فيه تجارة وتمرير رسائل قد تضرب المصلحة العليا للوطن، والمرجعية ووحدة الفكر الديني للجزائريين".
الشيخ جلول قسوم: |
تنافس فقهي
ودافع قسوم عن علماء الجزائر وقال إنهم "ينافسون كل الدول من ناحية الفقه، ومعترف بهم في المجمع الفقهي العالمي من طرف المصريين والسعوديين".
واتهم الشيخ حمداش الوزارة بإهمال علماء الجزائر والتضييق عليهم وتهميشهم ومنعهم من الكلام والتأليف بدعوى أنهم يخالفون المرجعية الوطنية.
وخاطب الوزارة قائلا "نقول لكم: حددوا لنا ما هي المرجعية؟ وإذا كنتم تقولون إن الإسلام مستورد وإن الإسلام سعودي أو حجازي، نحن نقول إن الإسلام لم ينزل في باب الواد ولا في حيدرة (من أحياء الجزائر العاصمة).. الإسلام نزل في مكة، وهؤلاء نشروا الإسلام في كل مناطق العالم".
من جهة أخرى، توجه أصابع الاتهام إلى العديد من علماء الدين في الجزائر بأنهم "من حاشية السلطة"، ويرى حمداش أن "علماء الجزائر موجهون من طرف النظام ومن طرف الوزارة ومن طرف أجهزة الأمن"، ويقول "لا نريد الفتاوى السياسية، نريد الفتاوى التي تخدم الواقع، لا تلك التي تخدم السلطان".
واعتبر أن تضييق وزارة الأوقاف على السلفيين ودعمها للطرق الصوفية وللزوايا، تسبب في تراجع مستوى المساجد الجزائرية، وقال عن المجلس الإسلامي الأعلى إنه "لا يتكلم إلا من حين لآخر، ولا يعالج الواقع".
واتهم حمداش وزارة الشؤون الدينية بعدم المطالبة بتحكيم الشريعة، وقال "لماذا لا تدعو (الوزارة) حقيقة إلى تطبيق مذهب الإمام مالك في الأجهزة القضائية والتشريعية ومراكز البحث والجامعات؟ ولماذا لا تحارب المخدرات والتبرج والفساد وظاهرة التنصير وغيرها من الآفات؟".