رفض رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان تشبيه الاحتجاجات التي تشهدها بلاده بما حدث في دول الربيع العربي، مؤكداً أن “من واجبه تطهير” ساحة تقسيم في إسطنبول رغماً عمّا سماها الجماعات الإرهابية.
1500 حافلة نقلت القادمين من أحياء بعيدة من إسطنبول -حسب قول أحد المنظمين- وجميع السفن العاملة في ساحل المدينة -أكثر من مائة سفينة- تم استئجارها كاملة لتنقل القادمين من الجزء الآسيوي من المدينة.
رمزية وسيميائية
منصة ضخمة بحجم ملعب صغير، وقف الآلاف أمامها أكثر من سبع ساعات، خمس منها ينتظرون وصول أردوغان، والباقي منها كانوا يستمعون لخطابه، وبين الفينة والأخرى ترفرف آلاف الأعلام فوق الرؤوس أو تهتف الحناجر بـ"حياة أردوغان" و"وحدة تركيا" و"مواصلة المسير".
خلال ساعات الانتظار، شغل المنظمون أنصارهم بأغان تمدح حزب العدالة والتنمية وأردوغان وتركيا، وكل من المحتشدين تجاوب معها بطريقته الخاصة، بعضهم برقصات دبكة تركية وآخرون باهتزازات تشبه تلك التي ألفها المشجعون في ملاعب الكرة، وآخرون فضلوا رقصات أقرب إلى الألوان الغنائية الأوروبية.
شيوخ وأطفال، رجال ونساء شبان وشابات، محجبات وغير محجبات، مدخنون ومدخنات، ذوو احتياجات خاصة، رسالة أخرى تستشف من هذا التجمع الخطابي، وحرص أردوغان أيضا على ترسيخها في خطابه عندما أكد أكثر من مرة أن حزبه هو حزب للشعب ومن الشعب، وحزب للحرية لا فرق فيه بين ذكر وأنثى ولا بين عرق وعرق أو جهة وجهة إلا بالديمقراطية.
الرسائل الرمزية والسيميائية استمرت حتى مع وصول أردوغان، فبمجرد صعوده على المنصة وتبادله التحية مع أنصاره، نزع سترته ووضعها جانبا وشمر عن ساعديه في إشارة دالة على أهمية ما هو مقدم عليه، وطيلة الساعتين اللتين تحدث فيهما لم يهدأ على ركن واحد من المنصة، بل طافها جيئة وذهابا مقبلا بوجهه على الحاضرين في كل نواحي الفضاء المحيط به.
إسطنبول العزيزة
"إسطنبول العزيزة، ألف سلام إليك" قالها أردوغان بصوت جهوري قوي، زادت من قوته العشرات من مكبرات الصوت الموزعة على كل أرجاء الساحة، ثم مضى في خطابه يسرد أحياء المدينة حيا حيا ويرد عليه الجمهور "حاضرون"، قبل أن يبدأ في تذكير خصومه بمنجزاته للمدينة يوم كان رئيسا لبلديتها.
ولأن رئيس الوزراء التركي يعرف أن الإعلام سلاح أخطر من ذلك الذي يحمله حرسه الخاص ورجال الأمن الذين أحاطوا بالمنصة، فقد سارع إلى بعث رسائله لوسائل الإعلام الغربية، واتهمها بأنها كذبت في نقلها لحقيقة الاحتجاجات التي شهدتها بلاده في الأيام الأخيرة.
سيف الاستهزاء
الاستهزاء أيضا سلاح لم يدخره أردوغان لتمرير رسائله، فهو ذكر بأداء حكومته منذ أسابيع فقط آخر قسط من ديونها لصندوق النقد الدولي، وقال عن المعارضة التي تطالب بإسقاط حكومته "هم أثقلوا تركيا بالديون ونحن أديناها".
أحد المعارضين لم يسمه أردوغان قال له هذا الأخير إنه "لا يفهم لا في الرياضيات ولا في البيئة والطبيعة"، لأنه استنكر أن يقول أردوغان إن حكومته غرست مليارين وثمانمائة شجرة، وقال إن هذا العدد من الأشجار لا تتسع له تركيا.
سيف الاستهزاء لم تسلم منه أوروبا، التي استنكر أردوغان إصدار برلمانها قرارا ينتقد فيه تعامل الشرطة التركية مع المحتجين، وذكر "من يحتاج إلى تذكير" أن ما وقع في اليونان وفي بريطانيا وفي بلدان أوروبية أخرى أكثر مما وقع في تركيا، "فلماذا هذه الدول تعطيها أوروبا المال ونصيبنا نحن الانتقاد"، معتبرا أن الدول الأوروبية "تغار مما وصلت إليه تركيا من تقدم، وهي تحسدنا".
ولم ينس حزب أردوغان أن يخصص حيزا في مهرجانه الخطابي لحضور عشرات الأفراد من الجاليات ربما "لينوروا أهلهم إذا رجعوا إليهم"، وهي رسالة أخرى ثبتها أردوغان بحرصه في خطابه على تحية الكثير من الدول والشعوب بينها فلسطين وسوريا والعراق ومصر ودول أخرى مجاورة لبلد سمى أردوغان أهله يوما "العثمانيين الجدد".