تفجيرات وكرة قدم.. سمة أحوال العراق
دوى صوت انفجار السيارة المفخخة في أرجاء ملعب الشعب ببغداد أمس، لتتصاعد من بعده أعمدة الدخان من جهة يمين المدرجات التي كانت تهتف منذ أكثر من ساعة باسم العراق. وبعد عشرين دقيقة دوى صوت انفجار سيارة مفخخة ثانية في مكان بدا أقرب من الأول، لتتعالى معه تلقائيا أصوات آلاف الحاضرين وهي تردد "لا إله إلا الله".
لحظات قبل أن تتصاعد أعمدة دخان أكثر كثافة، دفعت الجماهير المحتشدة فوق الكراسي الصفراء والخضراء والزرقاء والبيضاء في الملعب للنزوح نحو أطراف المدرجات في محاولة لتحديد موقع الهجوم.
لم تتوقف المباراة الودية بين منتخبي العراق وليبيريا، وظل الحاضرون يأملون حتى اللحظة الأخيرة بهدف عراقي يعادل النتيجة، لكن دون جدوى.
وما أن أعلن الحكم نهاية المباراة بفوز المنتخب الأفريقي، حتى بدأت الجماهير تتدفق بغضب إلى خارج الملعب الذي كانت ترتفع من جهتيه اليمنى واليسرى الخلفيتين أعمدة دخان التفجيرين.
وقال غزوان (35 عاما) وهو يتمشى خارج الملعب "في خضم التفجيرات نعيش حياتنا. هذا عراق التضحية، عراق كل شيء. لا نخاف هذه التفجيرات، لكننا نخاف هذا المنتخب السيئ".
وأضاف بينما كان أشخاص آخرون يرددون انتقادات موجهة إلى لاعبي المنتخب ومدربه "الله يرحم هذه التضحيات".
ثم صرخ رجل كان يتمشى على الرصيف المقابل "التفجيرات تطاولنا على الطريق، ومنتخبنا يخسر داخل الملعب. هل هناك أسوأ من هذا؟".
الحسرة
وعلى بعد مسافة قصيرة من الملعب المحصن بآليات الجيش والشرطة، جلس أنور (57 عاما) أمام معرضه في منطقة الحبيبية في شرق العاصمة يتفقد بحسرة الأضرار الجسيمة التي لحقت بالسيارات المستعملة التي يبيعها بعدما انفجرت أمامها أولى السيارتين المفخختين.
وبينما كان رجال الشرطة يحاولون تفريق مجموعات من الشبان احتشدت بين نحو خمس سيارات متفحمة بالكامل، كان أنور يسعى إلى تهدئة أصحاب المعارض المجاورة الغاضبين مرددا على مسامعهم "الحمد لله على السلامة، الله يعوض".
وقال أنور "جاءتنا سيارة حين كنا ملتهين بالكرة، وانفجرت هنا". وتابع بغضب "استغلوا حبنا لكرة القدم وانشغالنا بها حتى يضربوا ضربتهم".
وتدخل فاضل حنون (47 عاما) قائلا "الزجاج كله وقع علينا والناس ماتت وحلال العالم راح". وأضاف مشيرا إلى السيارة المفخخة التي تحولت إلى كتلة صغيرة من الحديد "الدولة فاشلة هنا. الدولة فاشلة، فالحرس هنا والسيارة تنفجر هنا، كيف يمكن أن نقبل ذلك؟".
وفيما ظل عناصر الأمن يطلبون من المتجمعين -الذين ارتدى بعضهم قمصان فرق كرة قدم أوروبية- الانتقال إلى الرصيف المقابل خشية وجود سيارة مفخخة ثانية، مرت امرأة ترتدي عباءة سوداء وهي تلطم على صدرها، فيما كان أحد الجرحى يصيح من الألم داخل آلية للشرطة.
وعلى بعد حوالي 500 متر من مكان الهجوم الأول، وقف ربيع (27 عاما) بين 15 سيارة متفحمة ومحطمة بالكامل استهدفتها السيارة المفخخة الثانية في مرآب لبيع وشراء السيارات المستعملة.
وقال ربيع الذي قصد المكان لبيع سيارته "كنت في سيارتي داخل المرآب. ارتميت على أرض السيارة لحظة الهجوم وشعرت بخوف شديد دفعني إلى أن أفتح الباب وأركض بعيدا".
الدرس الليبيري
وفي ملعب الشعب، الذي نادرا يستضيف مباريات مع منتخبات أجنبية، بدا الفريق الليبيري وكأنه يحاول تجاهل فكرة أنه يلعب في واحدة من أخطر مدن العالم.
وقال مسؤول الإعلام في المنتخب هنري فلومو قبيل بداية المباراة "شعرنا بالخوف من المجيء إلى هنا، لكن كرة القدم تمثل لنا بابا للخروج من أية أزمة، خصوصا للعراق، لذا قررنا أن نساهم في ذلك وأن نجرب حظنا".
وأضاف "مررنا في ليبيريا بأزمة داخلية لأكثر من 14 عاما، لكننا عدنا وسرنا في طريق الوحدة، ونحن واثقون من أن العراقيين قادرون على أن يحققوا ذلك أيضا".