عفوا لا تلتقط لي صورة

صور من حلب
undefined

لقاء مكي-حلب

هنا في حلب لن تصادف دوما من يسمح لك بالتقاط صورته ونشرها، فالجميع يمكن أن يتحدث لك عما يجري ويعطيك رأيا فيه مواربة وخوف أو وضوح وجرأة، لكن في النهاية سيحجب البعض عنك شيئين: اسمه وصورته.

كثيرون التقيناهم في هذه المدينة، موظفون وأرباب عمل، تجار وفلاحون، مقاتلون ومتطوعون للعمل الإغاثي، ورغم أن البعض أبدى حماسة لنشر صورته والحديث باسمه الصريح، فإن كل ما تحصل عليه من الآخرين كنية اعتاد أهل الشام التخاطب بها، أما النساء الناشطات فلكل منهن اسم حركي تقي به نفسها من الخطر المحتمل.

وفي هذا الجو المتوتر المشحون بالمخاطر ليس عليك غير أن تحترم رغبة الناس ومخاوفهم، بل ربما تتطرف بأن تطلب من محدثيك أن لا يتخلوا عن حذرهم لمجرد إكرام الصحافة أو للبرهنة على عدم الخوف.

لكن ما سبب هذه الظاهرة التي قد تعرقل عمل من يبحث عن حقائق وشهود؟ ولماذا يضطر الناس إلى إخفاء هوياتهم في مناطق باتت "محررة" حسب وصفهم؟

حرصا على سلامة آخرين يخفون وجوههم (الجزيرة)
حرصا على سلامة آخرين يخفون وجوههم (الجزيرة)

تعددت الأسباب
يقول أبو البراء، وهو صاحب متجر في حي شعبي بحلب، إنه يتردد أكثر من مرة في الأسبوع إلى الشطر الآخر من حلب الخاضع لسيطرة النظام لأمور تتعلق بتجارته، ولا يريد أن يتعرض للاعتقال وربما التنكيل، إذا ما نشر له اسم صريح أو صورة قد تغضب قوات النظام، حتى وإن لم يكن فيها رأي سياسي.

أما عمر فهو مقاتل من الجيش الحر فاكتفى بذكر اسمه دون عائلته خوفا عليها من بطش النظام، يقول عمر إنه لا يخاف على نفسه بل على أهله الذين يمكن أن يصيبهم الأذى من عناصر النظام أو الشبيحة.

وتمكنت من لقاء مقاتلين من الجيش الحر في خطوط الجبهة الأمامية لا يفصلهم عن قناصة النظام غير جدار، ومع ذلك فقد كانوا حريصين على البقاء خارج مدى الكاميرا حرصا على سلامة عائلاتهم.

وتقدم الناشطة مريم سببا يتعلق بأمنها الشخصي، فقد تركت أهلها القاطنين في مناطق خاضعة لسيطرة النظام للتطوع في منظمة إغاثية داخل المناطق "المحررة"، وما زالت تتردد عليهم كل أسبوع، لذلك اكتفت باسم مستعار باتت تعرف به بين زملائها الناشطين.

وهناك أيضا موظفون ما زالوا يمارسون عملهم في مناطق النظام ويتلقون رواتبهم منه، لذلك يحرصون على الابتعاد عن أية تصريحات إعلامية قد تؤثر على وضعهم المهني واستمرار صرف مرتباتهم.

‪يخفون وجوههم أثناء المظاهرات‬ (الجزيرة)
‪يخفون وجوههم أثناء المظاهرات‬ (الجزيرة)

مواربة وحذر
لكن حذر الناس ومخاوفهم لا تشمل البعض ممن يقول لك إنه أحرق جسوره مع النظام، واختار أن يقول ما يريد بشكل علني، لا سيما إن لم يكن لظهوره ما يؤثر به على آخرين، وفي كل الأحوال على الصحفي في حلب أن يضع في اعتباره مخاوف أهلها الذين يعيشون وضعا شاذا وغريبا.

ويقول أبو كامل، وهو ناشط إعلامي سوري، إنه كثيرا ما يواجه مشكلات بسبب تحسب الناس وخوفهم، مشيرا إلى أن البعض ما زال يخشى إمكانية عودة قوات النظام إلى حلب، لذلك ترى هؤلاء يحرصون على عدم الظهور في وسائل الإعلام حتى لو كان الحديث عن قضايا بعيدة تماما عن السياسة مثل أزمة الخبز أو شؤون الحياة المختلفة.

ويضيف أبو كامل أن طفلا لم يتجاوز الخمس سنوات طلب منه عدم التقاط صورة له قائلا "بكرة بشار يقتلني"، وأكد أنه احترم بالطبع رغبة ذلك الطفل وحقق له ما يريد، رغم أن ذلك سيجعل تقريره ناقصا بلا صور لشخوص قصته، وكان ذلك جزءا مما يقول صاحبنا إنها من مظاهر معاناته المهنية في حلب.

لكن أبو كامل أبلغني بعد انتهاء حديثه بأدب جم أن ذويه يقيمون في الجزء الحلبي الخاضع لسيطرة النظام وأنه يزورهم بانتظام، ثم أردف "عفوا أرجو أن لا تلتقط لي صورة".

المصدر : الجزيرة