آخر حمّام تقليدي ببكين يصارع للبقاء

حمام شوانغ سينغ معظم زبائنه من كبار السن
undefined

 عزت شحرورـ بكين

حمام "شوانغ شينغ " التقليدي المشهور في أحد الأحياء القديمة جنوب العاصمة الصينية بكين يلفظ أنفاسه الأخيرة وينتظر دوره في الهدم، بعدما أصدرت البلدية قراراً بإزالته وفشلت محاولات إدراجه على قائمة التراث الثقافي غير المادي للمدينة.

وسقطت الكثير من المواقع التاريخية والأسواق والأزقة القديمة في بكين تحت معاول الهدم كضحية للثورة العمرانية التي تشهدها المدينة، تحت شعار بناء مدينة عصرية وعاصمة عالمية.

ويقول صاحب الحمّام إن هذا الحمّام التقليدي هو الوحيد من نوعه المتبقي في المدينة، وربما في الصين كلها. وأضاف في حديث للجزيرة نت أنه جزء من تراث البلد الثقافي ولهذا "سأسعى إلى إعادة بناء مثيل له في مكان آخر".

ويتسلل ضوء الشمس عبر سقف الحمام الزجاجي ليمنح المكان دفئاً ونوراً، ومن بين شقوق أبوابه ونوافذه القديمة يتسرب بخار دافئ تنبعث منه رائحة الصابون ممزوجة برائحة العرق والعراقة أيضاً. ويعد الحمام -الذي يبلغ من العمر مائة عام أو يزيد- آخر ما تبقى من 150 حماماً شعبياً كانت تنتشر في أحياء المدينة.

ويقصده زبائن -معظمهم من كبار السن- من أحياء مختلفة وبعيدة، ليس بهدف الراحة والاسترخاء فقط، بل لأنهم أدمنوه وبات جزءاً من حياتهم اليومية.

ويقول أحد الزبائن إنه يأتي إلى هنا يومياً ويقطع حوالي أربعين كيلومتراً تستغرق منه أكثر من ساعة، ويضيف أنه لا يأتي بهدف الاستحمام والاسترخاء فقط بل أصبح للمكان حميمية، وأشار إلى أنه نسج معظم علاقاته الاجتماعية والإنسانية، "ونتحدث فيه بكل شؤوننا الخاصة والعامة".

‪‬ الرقص والعزف على أدوات موسيقية تقليدية يروِّح بها الزبائن عن أنفسهم(الجزيرة)
‪‬ الرقص والعزف على أدوات موسيقية تقليدية يروِّح بها الزبائن عن أنفسهم(الجزيرة)

التراث الثقافي
وفي صالة الاستراحة يغط بعض الزبائن في نوم عميق على أسرّة خشبية تغطيها ملاءات بيض. فبعد الماء الساخن والتكييس والتدليك لا بد أن يعتري الاسترخاء والإعياء أجساد الكهول. ويعلق أحد الزبائن على خدمات الحمام بالقول إنه "عندما نخلع ملابسنا هنا تذوب كل الفروقات الطبقية ونصبح سواسية".

ويتجمع بعض الزبائن في حلقات لشرب الشاي أو لعب الشطرنج الصيني أو استعراض مهاراتهم في غناء أوبرا بكين أو عزف الموسيقى على أدوات تقليدية، بينما يتجاذب البعض الآخر أطراف الحديث، ويتبادلون النكات والطرائف، ويشكون همومهم وعقوق أبنائهم وغلاء المعيشة وارتفاع أسعار العقارات وتلوث الهواء والفساد، ويتنهدون بحسرة على زمن جميل قد مضى ولن يعود.

ويرى أحدهم أنه بحجة بناء مدينة عصرية فقدنا خصوصيتنا الثقافية وخسرت بكين هويتها وتخلت عن تراثها الثقافي، وأضاف أن "مثل هذه الحمامات كانت تشكل جزءا مهما من ثقافة المدينة، لقد اختفت تماماً وحلت محلها حمامات الساونا على الطراز الغربي، ويضيف أنا شخصياً لا أستسيغها ولا أستطيع تحمل مصاريفها الباهظة".

ترك الزمن بصماته في الحمام، ونما العشب في بعض زواياه بفعل الرطوبة، وتشققت جدرانه، لكنها تبدو آذانا صاغية تسمع قصص الزبائن وحكاياتهم ولا تفشي أسرارهم. ولهذا تراهم يودعونه كمن يودع عزيزا ولسان حالهم يقول من "يتخلى عن ماضيه يضيع مستقبله".

ولكن على أي حال فإن الأوقات الجميلة عمرها قصير، كما يقول المثل الصيني، ويبدو أن حمام شوانغ شينغ قد هرم وشاخ وبات عليه أن ينحني أمام رياح التغيير وأن يخلي مكانه لقادم جديد، كعمارة ضخمة ثقيلة أو مركز تجاري عصري أو ربما حمام ساونا على الطراز الغربي. إنها ضريبة الحداثة والعولمة كما يقولون، ومن ضروراتها التخلي عن الماضي وعن تقاليده. ويبدو أن المعركة التي تدور رحاها منذ سنوات بين الأصالة والحداثة سيبقى النصر فيها حليفاً للحداثة.

المصدر : الجزيرة