جرح ضحايا الثورة التونسية لم يندمل

مبنى وزارة حقوق الانسان والعدالة الانتقالية المعنية بالملف
undefined

 مصطفى بوضريسة-تونس

يجد الجرحى وذوو القتلى الذين سقطوا خلال الثورة التونسية أنفسهم أمام مشاكل متعددة تزيد من معاناتهم، فبالرغم من مرور عامين على الثورة لم يتم تحديد القائمة النهائية للقتلى والجرحى ونسب التعويض التي ستقدم لهم، كما لم يتمكن أهالي الضحايا من معرفة هوية قتلة أبنائهم.

وأصدرت وزارة الداخلية بعد أشهر قليلة من سقوط الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي قائمة أولية تضم 321 قتيلا وثلاثة آلاف و772 جريحا، وينتظر أن يتم تنقيح هذه القائمة من قبل لجنة نص عليها المرسوم 97 الخاص بتعويض القتلى والجرحى، وهي لجنة لم تشكل بعد بالرغم من مرور أكثر من سنة على صدور المرسوم.

ولم تصل القضايا التي رفعت أمام القضاء العسكري للكشف عن قتلة الضحايا إلى نتائج ملموسة بسبب غياب المعطيات الكافية والتي جعلت دائرة الاتهام تقتصر على القيادات الكبرى في النظام السابق، دون التوصل إلى القتلة المباشرين.

وإضافة إلى ذلك، يواجه الجرحى معاناة كبيرة من أجل توفير موارد لتغطية مصاريف العلاج، في ظل عدم استفادتهم من حق العلاج أو النقل المجانيين، باعتبار أن عددا كبيرا منهم يضطر للانتقال إلى العاصمة التونسية من مدنهم البعيدة.

‪حداد: تم الاكتفاء بمتابعة القيادات بالنظام السابق دون القتلة المباشرين‬  (الجزيرة)
‪حداد: تم الاكتفاء بمتابعة القيادات بالنظام السابق دون القتلة المباشرين‬  (الجزيرة)

إرادة سياسية
وترى المحامية ليلى حداد -التي تتكفل بقضايا الضحايا- أن الحكومات المتعاقبة بتونس بعد يناير/كانون الثاني 2011 لم تنصف هؤلاء، حيث لم يتم التعامل مع ملفهم بشكل يرقى إلى التطلعات التي أفرزتها الثورة، وتحدثت عن عدم وجود إرادة سياسية من أجل حسم الملف.

ففي الجانب القضائي، أوضحت ليلى حداد للجزيرة نت أنه وأمام إصرار أهالي الضحايا على معرفة قتلة أبنائهم المباشرين، تم حفظ القضايا التي رفعت أمام القضاء العسكري والاكتفاء بمتابعة القيادات الكبرى في العهد السابق فقط، وأشارت إلى أن غياب الأدلة وعدم تشريح الجثث لاستخراج الرصاص ومعرفة نوعية السلاح، إضافة إلى عدم تمكين قضاة التحقيق من الوصول إلى المقار السيادية مثل وزارة الداخلية، صعّب الحصول على معطيات مفيدة لاستخدامها في تحديد القاتلين ومحاكمتهم.

وفي الصعيد السياسي، انتقدت حداد غياب إستراتيجية واضحة لحل الملف، واعتبرت أن تشكيل العديد من اللجان لدراسة ملفات القتلى والجرحى وتقدير التعويضات التي ستمنح لهم، ساهم في تعطيل التكفل بمطالب هذه الفئة، وتساءلت عن السر وراء عدم الاعتماد على لجنة واحدة كاملة الصلاحيات لمعالجة الملف.

وعارضت المحامية الجمع بين ملفي قتلى وجرحى الثورة والمشمولين بقانون العفو العام الذي يغطي المساجين السياسيين في الفترات السابقة، واعتبرت أن ذلك سيعطل التوصل إلى حل للقضيتين لأن الملف الثاني محل تجاذبات سياسية تمنع تحقيق توافق بشأنه.

ولفتت إلى أن التأخر المسجل هو على حساب الجرحى المطالبين باستكمال العلاج وخاصة الموجودين منهم بحالات خطرة والمقدر عددهم بـ220 جريحا.

‪الصدقاوي: وزارة حقوق الإنسان تكفلت بعلاج عدد من المصابين‬ الصدقاوي: وزارة حقوق الإنسان تكفلت بعلاج عدد من المصابين (الجزيرة)
‪الصدقاوي: وزارة حقوق الإنسان تكفلت بعلاج عدد من المصابين‬ الصدقاوي: وزارة حقوق الإنسان تكفلت بعلاج عدد من المصابين (الجزيرة)

عمل الوزارة
في المقابل، تحدث المكلف بملف القتلى والجرحى في وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية فوزي الصدقاوي عن الخطوات التي قامت بها الوزارة لمعالجة هذا الملف، وأكد أن تأخر الحكومات السابقة في إيجاد إطار قانوني للمعنيين وعدم تكفلها بهم بالشكل اللازم تسبب في زعزعة الثقة بمؤسسات الدولة مما فرض عليهم بذل جهد إضافي لاستعادتها.

وأوضح الصدقاوي للجزيرة نت أن الوزارة قامت برفع مقترحات صادقت عليها الحكومة تنص على منح الجرحى بطاقات للعلاج والنقل مجانا، وتشكيل لجان طبية على مستوى المناطق لتحديد نسبة الضرر وتوجيه المرضى إلى المصالح المختصة لتلقي العلاج، إضافة إلى تمكين كل جريح وواحد من ذوي القتلى من منصب شغل في الدولة.

وأشار إلى أن الوزارة استجابت لمطالب عدد من الجرحى وقامت بإرسال 37 فردا منهم إلى الخارج، ووجهت العشرات إلى المصحات الخاصة بتونس لتلقي العلاج، وقال إن الوزارة تعاونت مع بعض الجمعيات ورجال الأعمال لضمان التكفل بعلاج عدد من المصابين.

وأكد أن الوزارة تتعامل مع القائمة الأولية التي أعدتها وزارة الداخلية بالرغم من وجود العديد من التجاوزات بها عبر التلاعب بأسماء المدرجين، وقال إن اللجنة المكلفة على مستوى مجلس حقوق الإنسان والحريات الأساسية لتنقيح هذه القائمة، ستجد صعوبات بالغة في تحديد القائمة النهائية بالنظر لوجود 17 ألف ملف يطلب أصحابها إدراجهم ضمن المستفيدين.

المصدر : الجزيرة