أطفال الخليل في قبضة الاحتلال

سياج يفصل مسلكا معبدا للمستوطنين (يسار) وممرا ضيقا للفلسطينيين (يمين)
undefined

عوض الرجوب-الخليل

يعيش مئات الأطفال الفلسطينيين ظروفا قاسية في البلدة القديمة من مدينة الخليل، إذ يدفعون من براءتهم ثمنا باهظا نتيجة الإجراءات الأمنية الإسرائيلية المشددة التي تقيد حريتهم وتمس طفولتهم في سبيل حماية أمن قرابة أربعمائة مستوطن حولوا خمسة مواقع فلسطينية إلى بؤر استيطانية ترعاها دولة إسرائيل.

ووفقا لمصادر فلسطينية تقطن أربعمائة عائلة فلسطينية في منطقة محاصرة بالحواجز والجدران والأسيجة والبوابات الحديدية، وتضطر لعبور حواجز مقامة في محيط سكناهم لممارسة حياتهم الاعتيادية، مقابل حرية تامة وحماية مبالغ فيها للمستوطنين.

الأشقاء الثلاثة
لم يشفع صغر السن للأشقاء الثلاثة محمد (12 عاما) وعبد الرحمن (10 أعوام) ومحمود (9 أعوام) من عائلة برقان أمام محتل يمارس وفق منظمات حقوقية، الفصل العنصري في قلب الخليل، فكان لكل منهم تجربته إما مع المستوطنين أو مع جنود الاحتلال أو مع كليهما.

فقد شاهد كثيرون، وربما نسوا، مشهدا مصورا نشرته منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية -التي تحظى الخليل باهتمام خاص من متابعاتها- للطفل عبد الرحمن عندما انقض عليه جنديان إسرائيليان وأخذ يصرخ ويبكي، لكن المشهد لم يُمح من ذاكرة الطفل الذي ارتعب خوفا، ويحاول تناسي المشهد ويفضل عدم الحديث عن تفاصيله.

الحواجز الحديدية الإلكترونية بوابات للمعاناة يضطر سكان البلدة القديمة في الخليل للمرور بها يوميا (الجزيرة)
الحواجز الحديدية الإلكترونية بوابات للمعاناة يضطر سكان البلدة القديمة في الخليل للمرور بها يوميا (الجزيرة)

اليوم، وبعد شهور على الحادث، يؤكد عبد الرحمن أن المشهد المسجل واحد من سلسلة ملاحقات تعرض لها هو وأشقاؤه منها محاصرته بالحجارة من قبل خمسة مستوطنين قرب منزله على مرأى الجنود، وتوقيف شقيقيه محمد ومحمود في مركز للشرطة، إضافة إلى تعرضهم المتكرر للضرب بالركل والصفع على الوجه.

ويضيف عبد الرحمن أنه يتوقع كل يوم أن يوقفه الجنود المنتشرون في البلدة القديمة أثناء توجهه للمدرسة لتفتيشه أو تفتيش حقيبته، وكل يوم يحسب حساب وجبة قد تنتظره من الغاز المسيل للدموع، أسوة بطلاب مدرستين تقعان في المنطقة.

وما يزيد معاناة أطفال عائلة برقان أنهم يتحملون عبء عائلتهم بعد أن أودى حادث عمل بقدمي والدهم، إذ يضطرون يوميا للاحتكاك بالجنود والمستوطنين في طريقهم لتلبية وشراء احتياج عائلتهم، حسب ما يقول والدهم عامر برقان.

ويسهب الوالد في شرح ظروفه القاسية نتيجة مضايقات الاحتلال، موضحا أنه يستخدم كرسيا متحركا للتنقل، ولا يستطيع من خلاله اجتياز الحواجز التي تفصل منطقة سكنه عن باقي أجزاء الخليل، مشيرا إلى أنه يضطر للزحف أرضا في معظم الأوقات.

ويتابع برقان باهتمام الأخبار السياسية، ويؤكد أن زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للمنطقة لن تغير شيئا في الظلم الواقع على الفلسطينيين، ويقول إنه كان الأولى به أن يزور مدينة الخليل ليعرف معنى الاحتلال وإجراءات الفصل العنصري.

فصل وعنف
أما المواطن وليد أبو الحلاوة -وهو من سكان البلدة القديمة ومطلع على تفاصيل حياة السكان- فقدّر عدد العائلات التي تقطن ضمن إجراءات مشددة بأربعمائة عائلة، مؤكدا أن الاحتلال يغلق في ذات المنطقة نحو خمسمائة محل تجاري.

الجيش الإسرائيلي يمارس سياسة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين ويمتنع عن تطبيق القانون على المستوطنين

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن حركة الفلسطينيين مقيدة بحيث يضطرون للمرور عبر بوابات وأجهزة تفتيش إلكترونية كلما أرادوا مغادرة الأحياء المحيطة بالمسجد الإبراهيمي أو العودة إليها، معتبرا هذه السياسة إمعانا من الاحتلال في التضييق على السكان ودفعهم إلى الهجرة.

بدوره يؤكد الباحث الميداني بمنظمة الحق الفلسطينية هشام الشرباتي تسجيل وتوثيق حالات واعتداءات نوعية بحق الأطفال أسبوعيا في قلب الخليل، مشيرا إلى أن كثيرا من الحالات لا تسجل إما لأنه لا يتم التبليغ عنها أو لأنها تحولت إلى جزء من الحياة اليومية للسكان مثل التوقيف على الحواجز والتفتيش.

أما منظمة بتسيلم فتؤكد في منشوراتها أن عدة بؤر استيطانية إسرائيلية قد تمت إقامتها في منطقة كانت تشكل المركز التجاري لجنوب الضفة الغربية، مؤكدة أن الجيش الإسرائيلي يتبع منذ أن اقترف المستوطن باروخ غولدشتاين مجزرته ضد المصلين في المسجد الإبراهيمي عام 1994، سياسة معلنة ورسمية تستند إلى مبدأ الفصل يشمل منع حركة الفلسطينيين والامتناع عن تطبيق القانون على مستوطنين عنيفين.

وتقول المنظمة إن الجيش عمّق مؤخرا هذا الفصل حيث أقام جدارا على طول الشارع في مركز المدينة، وخصص الشارع المعبد للإسرائيليين في حين جعل المعبر الضيق ما وراء الجدار مخصصا للمشاة الفلسطينيين.

المصدر : الجزيرة