ولادة متعسرة للحكومة البرلمانية الأردنية

AFP/ A general view shows Jordan's King Abdullah II openinig the first session of the new parliament in Amman, 02 December 2007.
undefined
 
محمد النجار-عمان


لم تنجح المشاورات التي يقودها رئيس الديوان الملكي الأردني فايز الطراونة مع الكتل البرلمانية الحديثة التشكل في تحديد مرشحين لتشكيل حكومة جديدة تعهد الملك عبد الله الثاني بأن تكون ممثلة للأغلبية البرلمانية، في حين بقيت المعارضة الإسلامية التي قاطعت الانتخابات الأخيرة على رهانها بفشل هذه التجربة.

وعلى الرغم من أن الدستور الأردني لا يلزم الملك بهذه المشاورات حيث يمنحه وحده الحق في تكليف الحكومات وإقالتها, فإن نوابا وسياسيين قالوا للجزيرة نت إن المشاورات بدت جادة على غير ما كانوا يتوقعون بأن تكون "شكلية".

الطراونة استمع من النواب خلال الأيام الماضية عن مواصفات رئيس الوزراء المطلوب تكليفه، وبدا النواب مجمعين على رفض ترشيح أسماء محددة والاكتفاء بمواصفات فضفاضة، في وقت اختصرت كتلة واحدة (كتلة وطن) المشهد بإعلانها أنها تثق في اختيار الملك عبد الله لرئيس الوزراء المقبل.

ويستعد الطراونة للبدء بجولة جديدة من المشاورات مع الكتل البرلمانية للاستماع منها لترشيحات لأسماء محددة، وسط تضارب في مواقف الكتل وصل حد الفوضى بحسب نواب وسياسيين.

فبعض الكتل البرلمانية تصر على توزير النواب، وهو ما يؤكد مقربون من مطبخ القرار الأردني أنه مرفوض لاسيما من الملك، في حين يذهب آخرون للمطالبة بأن يكون رئيس الحكومة المقبلة من النواب، وآخرون طالبوا برئيس وزراء لم يسبق له تشكيل الحكومة، ومواصفات أخرى ظهر أنها تتبدل بشكل يومي.

لكن اللافت أن النواب أحجموا حتى الآن عن تسمية أشخاص محددين -بحسب نواب- وبدت السلطة الرسمية وأدواتها بعيدة عن التدخل المباشر رغم تسريبات نيابية تشير إلى أن هناك رغبة رسمية في الإبقاء على رئيس الوزراء الحالي عبد الله النسور، في حين يتحدث آخرون عن إشارات وردت من جهاز المخابرات بتسمية وزير الداخلية عوض خليفات.

زكي بني ارشيد نائب المراقب العام للجماعة:
النظام يعول على تجربة جديدة لن تنجح كونها تطبق على برلمان أنتجه قانون انتخابات مشوه يراد منه تكوين كتل وهمية تمارس دور السلطة والمعارضة، وهذا رهان فاشل ويضيع الوقت نحو الإصلاح الحقيقي

نواب وسياسيون
نواب وسياسيون أعادوا إحجام النواب في جولة المشاورات الأولى عن تسمية رئيس الوزراء المقبل إلى أمرين، الأول هو طبيعة الكتل البرلمانية التي لم تتشكل على أسس سياسية وإنما وفق علاقات عامة ومن الصعب إجماع أعضائها على أسماء محددة.

السبب الثاني هو وجود شبه إجماع بين النواب على أن تسميتهم لرئيس وزراء مقبل يعني تحميل البرلمان وزر المرحلة المقبلة التي ستشهد قرارات غير شعبية تطبيقا لاتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي وأهمها رفع أسعار الكهرباء والتي يدرك النواب أنها ستمر بأي ثمن وبالتالي لا يريدون مواجهة مبكرة مع الشارع المتوقع توجيه احتجاجاته نحو النواب ضد قرارات الأسعار المقبلة.

المعارضة الإسلامية متمثلة بجماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي تراقب المشهد عن بعد وترى فيه فشلا لتجربة الحكومات البرلمانية في مجالس نواب غير مسيسة.

زكي بني ارشيد نائب المراقب العام للجماعة قال للجزيرة نت إن النظام يعول على تجربة جديدة لن تنجح كونها تطبق على برلمان أنتجه قانون انتخابات مشوه يراد منه تكوين كتل وهمية تمارس دور السلطة والمعارضة، وهذا رهان فاشل ويضيع الوقت نحو الإصلاح الحقيقي.

واعتبر أن الواقع الجديد "يؤكد صحة مقاطعتنا للانتخابات ورفضنا لشروط لعبة سياسية ترفض الإصلاح الجذري، ولا نتوقع نهاية لهذا المشهد البائس سوى مزيد من الفشل".

واعتبر القيادي الإخواني البارز أن الحديث عن عدم تدخل لجهاز المخابرات "غير دقيق"، معتبرا أن رئيس الوزراء المقبل سيكون مرشح السلطة لا البرلمان الذي سيمنحه الثقة.

المحلل السياسي  محمد أبو رمان اعتبر أن التضارب الكبير في مواقف الكتل البرلمانية ناتج عن كونها "كتلا هلامية"، وأنه لا يتوقع منها إلا إنتاج "كائن مشوه قد يكون أسوأ من التجارب السابقة"

كتل هلامية
المحلل السياسي والباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية محمد أبو رمان اعتبر أن التضارب الكبير في مواقف الكتل البرلمانية ناتج عن كونها "كتلا هلامية"، وأنه لا يتوقع منها إلا إنتاج "كائن مشوه قد يكون أسوأ من التجارب السابقة".

أبو رمان توقع واحدا من سيناريوهات ثلاثة لحسم "فوضى اختيار رئيس الحكومة المقبل"، وهي إما تفويض الكتل البرلمانية رئيس الديوان الملكي لتحديد رئيس الوزراء المقبل بناء على مواصفات محددة، وإما إعادة تكليف عبد الله النسور لصعوبة الاتفاق على رئيس حكومة جديد.

والسيناريو الثالث الذي يبدو بعيدا حتى الآن هو أن تتوافق كتل الأغلبية على شخصية وتطلب من الملك تكليفه.

ويشير أبو رمان إلى معضلة تنتظر الحكومة الجديدة وهي أن عليها أن تتقدم ببيان الثقة قبل العاشر من الشهر المقبل وفقا للتعديلات الدستورية الجديدة، إضافة لتباين آراء الكتل حول الوزراء والمحاصّة وغيرها.

وبينما يرى أن المظلة الأمنية لا تزال مرفوعة عن المجلس النيابي الجديد، يذهب إلى أن الملك هو من يحدد عادة وزير الخارجية وإلى حد ما وزير الداخلية، لكنه يؤشر إلى أن البلاد أمام ماراثون من الأخذ والرد قبل تشكيل الحكومة الجديدة.

الشارع الأردني بدا حتى الآن غير متفاعل مع المشهد الجديد، فالتعليقات على الأخبار في المواقع الإلكترونية الأوسع انتشارا تتراوح بين تقديم اقتراحات غير جادة وغير مصدقة لأن يختار النواب الحكومة الجديدة، في حين كان الأوسع انتشارا على مواقع التواصل الاجتماعي المقالات والتصريحات التي تسخر من المشهد السياسي وأبرزها مقال الكاتب الساخر أحمد حسن الزعبي الذي اعتبر ما يجري عملية "اختراع" لرئيس الوزراء الجديد.

المصدر : الجزيرة