الطلاق في البصرة يزحف على الزيجات المبكرة

رواق دار العدالة في البصرة
undefined

عبد الله الرفاعي-البصرة

في الرواق المؤدي إلى غرفة قاضي محكمة الأحوال الشخصية بمجمع المحاكم في البصرة تجلس زوجات صغيرات مع أمهاتهن بانتظار حكم التفريق عن أزواجهن، وسط زيادة كبيرة لحالات الطلاق في الآونة الأخيرة، ما شكل انهياراً في بنية عائلات كانت مستقرة.

ويشكل الزواج المبكر وتدخلات الأهل بين الزوجين الشابين والبطالة أهم أسباب الطلاق في البصرة، حيث سجلت محكمة الأحوال الشخصية نحو 80% من حالات الطلاق بين المتزوجين حديثاً، في وقت يفرض فيه قانون الأحوال الشخصية العراقي ضوابط صارمة على قضايا الطلاق ولا يشجع التفريق بين الزوجين إلا في حالات خاصة جداً تتعلق بمرض أحد الزوجين أو إلحاق الأذى بالزوجة أو حالات العقم.

وغالباً ما تنتدب المحكمة باحثين اجتماعيين لحل الخلافات التي يمكن حلها، بينما بادرت منظمات المجتمع المدني إلى إنشاء مكتب للمساعدات القانونية يقدم خدماته المجانية للعائلات المتعففة، كما أن هناك أيضاً مكتبا لحماية الأسرة والطفل يشرف عليه ناشطون ومحامون يقدمون خدماتهم للأسر الفقيرة.

‪الفيلي: ظاهرة العنف الأسري أحد أسباب الطلاق‬  (الجزيرة)
‪الفيلي: ظاهرة العنف الأسري أحد أسباب الطلاق‬  (الجزيرة)

عنف أسري
وترى الباحثة الاجتماعية والناشطة النسوية أبرار الفيلي أن هناك مسببات كثيرة لحالات الطلاق في محافظة البصرة، وهي ذات الأسباب التي تنطبق على الحالات المشابهة في محافظات العراق الأخرى، منها ما يعانيه الأزواج من بطالة عن العمل ما جعل بعضهم يفكر في أن الطلاق هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمات النفسية ومتطلبات العائلة التي لا تنتهي، ولفتت إلى أن أكثر نسبة في حالات الطلاق تحدث بين الأزواج الذين هم دون عمر العشرين.

وأكدت في حديثها للجزيرة نت أن ظاهرة العنف الأسري والقسوة التي يتعامل بها الزوج مع زوجته، والتي ازدادت في السنوات الأخيرة، سبب آخر لبعض حالات الطلاق.

وبينت الفيلي أنه تم تسجيل عدة زيجات وطلاق يتم خارج المحكمة ما يضيّع على الزوجة الحصول على حقوقها بسبب عدم إثبات الزواج بأوراق رسمية، وهذه الحالات أصبحت ظاهرة بسبب عدم وجود رادع يوقف تلك الحالات المأساوية، حيث إن محكمة الأحوال الشخصية سابقاً كانت تقاضي من يتزوج دون عقد زواج مسجل في المحاكم العراقية.

وأشارت الى أن هناك الكثير من منظمات المجتمع المدني التي تسعى إلى إرساء أسس التآلف في العائلة وقيامها بحملات توعية بين الفتيات ليعرفن واجباتهن وحقوقهن، وكذلك بالنسبة للشباب المقبل على الزواج.

‪ناصر: ظاهرة الطلاق أصبحت آفة تهدد‬ (الجزيرة)
‪ناصر: ظاهرة الطلاق أصبحت آفة تهدد‬ (الجزيرة)

آفة اجتماعية
ويصف مدير المركز الإقليمي لمؤسسة "عمار" الخيرية الدكتور علي ناصر ظاهرة الطلاق المنتشرة بالمجتمع العراقي بأنها آفة تهدد النسيج الاجتماعي للأسرة العراقية.

وذكر في حديثه للجزيرة نت أنه من خلال عمل مراكز مكافحة العنف -والتي تديرها مؤسسته في ثماني محافظات عراقية- ظهر واضحاً أن هناك ازدياداً كبيراً في معدلات الطلاق داخل المحاكم العراقية مبيناً تسجيل أكثر من 16 ألف حالة طلاق في عام واحد.

وأشار ناصر إلى أن دراسات معمقة وضعت بهذا الشأن من أجل الوقوف على أسبابها من كافة الجوانب النفسية والقانونية والدينية، إلا أن ذلك لابد أن يشترك فيه الوعي الجمعي المجتمعي.

‪صالح: حالات الطلاق تسجل ارتفاعا‬ (الجزيرة)
‪صالح: حالات الطلاق تسجل ارتفاعا‬ (الجزيرة)

معالجات وبحوث
وذكر الخبير النفسي الدكتور عياد إسماعيل صالح أن الطلاق لم يعد حالة ومشكلة وإنما ظاهرة عامة في المجتمع العراقي، حيث أخذت حالات الطلاق بالازدياد عاماً بعد آخر، وسجل نهايات عام 2012 أكثر من 82 ألف حالة طلاق.

وأضاف صالح في حديثه للجزيرة نت أنه تم رصد عدد من الأسباب الجوهرية لحالات الطلاق المتزايدة في المجتمع منها عدم التوافق والانسجام الفكري والاجتماعي والروحي بين الزوجين نتيجة فارق العمر أو لطبيعة التنشئة الاجتماعية أو نتيجة للسيطرة والتسلط وحب القوة على اعتبار أن المرأة كائن ضعيف ينبغي أن تستجيب طواعية لمتطلبات الرجل، وفق تعبيره.

ويؤكد على أن المعالجات لا بد أن تستند إلى البحث الاجتماعي والنفسي على مستوى المحاكم الشرعية وعدم التسرع في الطلاق، والاهتمام بالإرشاد الأسري في المؤسسات العلمية والتربوية والأكاديمية من خلال إنشاء عيادات الأسرة في المؤسسات الصحية وغيرها التي تنظر إلى الأمور بطيف واسع وبرؤية وتعقّل أكبر من أنها حالة طلاق، لأن تبعاتها السلبية أكبر من الحالة ذاتها.

المصدر : الجزيرة